الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فصل .

ومنها قوله تعالى : { فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق } فتأمل هذا المثل ومطابقته لحال من أشرك بالله وتعلق بغيره ، ويجوز لك في هذا التشبيه أمران :

أحدهما : أن تجعله تشبيها مركبا ، ويكون قد شبه من أشرك بالله وعبد معه غيره برجل قد تسبب إلى هلاك نفسه هلاكا لا يرجى معه نجاة ، فصور بصورة حال من خر من السماء فاختطفته الطير في الهوي فتمزق مزقا في حواصلها ، أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المطارح البعيدة ، وعلى هذا لا تنظر إلى كل فرد من أفراد المشبه ومقابله من المشبه به .

والثاني : أن يكون من التشبيه المفرق ، فيقابل كل واحد من أجزاء الممثل بالممثل به ، وعلى هذا فيكون قد شبه الإيمان والتوحيد في علوه وسعته وشرفه بالسماء التي هي مصعده ومهبطه ، فمنها هبط إلى الأرض ، وإليها يصعد منها ، وشبه تارك الإيمان والتوحيد بالساقط من السماء إلى أسفل سافلين من حيث التضييق الشديد والآلام المتراكمة والطير الذي تخطف أعضاءه وتمزقه كل ممزق بالشياطين التي يرسلها الله سبحانه وتعالى عليه وتؤزه أزا وتزعجه وتقلقه إلى مظان هلاكه ; فكل شيطان له [ ص: 139 ] مزعة من دينه وقلبه ، كما أن لكل طير مزعة من لحمه وأعضائه ، والريح التي تهوي به في مكان سحيق هو هواه الذي حمله على إلقاء نفسه في أسفل مكان وأبعده من السماء .

التالي السابق


الخدمات العلمية