الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( المسألة الثالثة ) فإذا قال لنسائه : إحداكن طالق حرمن عليه كلهن بالطلاق بناء على ثلاث قواعد : القاعدة الأولى أن مفهوم أحد الأمور قدر مشترك بينها لصدقه على كل واحد منها والصادق على عدد وأفراد مشترك فيه بين تلك الأفراد القاعدة الثانية أن الطلاق تحريم لأنه رافع لموجب النكاح والنكاح للإباحة ورافع الإباحة محرم فالطلاق محرم القاعدة الثالثة أن تحريم المشترك يلزم منه تحريم جميع الجزئيات كما تقدم فيحرمن كلهن بالطلاق وهو المطلوب وبهذه القواعد أجبت قاضي القضاة صدر الدين فقيه الحنفية وقاضيها لما قال مذهب مالك يلزم منه خلاف الإجماع لأن الله تعالى أوجب إحدى الخصال في كفارة الحنث فنقول : إضافة الحكم لأحد الأمور إما أن يقتضي التعميم أو لا يقتضي فإن اقتضى التعميم لغة وجب أن يعم الوجوب خصال الكفارة فيجب الجميع وهو خلاف الإجماع وإن لم يقتض العموم وجب أن لا يعم في النسوة لأنه لو عم لعم بغير مقتض فإن التقدير أن .

[ ص: 158 ] اللفظ لا يقتضي العموم والكلام عند عدم النية فيلزم ثبوت الحكم بغير مقتض وهو خلاف الإجماع فعلم أن مذهب مالك يلزم منه خلاف الإجماع فأجبته بأن قلت : إيجاب إحدى الخصال إيجاب للمشترك ووجوب المشترك يخرج المكلف عن عهدته بفرد إجماعا وأما الطلاق في هذه الصورة فهو تحريم لمشترك فيعم أفراده وأفراده هم النسوة فيعمهن الطلاق وقررت له جميع القواعد المتقدمة فظهر الفرق واندفع السؤال وهو من الأسئلة الجليلة الحسنة فتأمله فلقد أورده على أكابر فلم يجيبوا عنه إلا بقولهم إنما عم الطلاق احتياطا للفروج فإذا قيل لهم : ما الدليل على مشروعية هذا الاحتياط في الشرع لم يجدوه وأما مع ذكر هذه القواعد فتصير هذه المسألة ضرورية بحيث يتعين الحق فيها تعينا ضروريا فتأمل ذلك .

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

قال : ( المسألة الثالثة إذا قال لنسائه : إحداكن طالق حرمن عليه كلهن بالطلاق بناء على ثلاث قواعد : القاعدة الأولى أن مفهوم أحد الأمور قدر مشترك بينها لصدقه على كل واحد منها والصادق على عدد وأفراد مشترك فيه بين تلك الأفراد ) قلت : ليس الأمور هو القدر المشترك بل أحد الأمور واحد غير معين منها ولذلك صدق على كل واحد منها وقوله والصادق على عدد وأفراد مشترك فيه بين تلك الأفراد إن أراد بذلك الحقيقة الكلية فليس أحد الأمور هو الحقيقة الكلية وإن أراد أن لفظ أحد الأمور يختص به معين من تلك الأمور فذلك صحيح ولا يحصل ذلك مقصوده .

قال : ( القاعدة الثانية أن الطلاق تحريم لأنه رافع لموجب النكاح والنكاح للإباحة ورافع الإباحة محرم فالطلاق محرم ) قلت : ذلك صحيح .

قال : ( القاعدة الثالثة أن تحريم المشترك يلزم منه تحريم جميع الجزئيات كما تقدم فيحرمن كلهن بالطلاق وهو المطلوب ) قلت : القاعدة الثالثة أيضا صحيحة ولكن لا يلزم أن يحرمن كلهن لما سبق من عدم صحة القاعدة الأولى .

قال : ( وبهذه القواعد أجبت قاضي القضاة صدر الدين فقيه الحنفية وقاضيها لما قال : مذهب مالك يلزم منه خلاف الإجماع لأن الله تعالى أوجب إحدى الخصال في كفارة الحنث فنقول : إضافة الحكم لأحد الأمور إما أن يقتضي التعميم أو لا يقتضي فإن اقتضى التعميم لغة وجب أن يعم الوجوب خصال الكفارة فيجب الجميع وهو خلاف الإجماع وإن يقتض العموم وجب أن لا يعم في النسوة لأنه لو عم لعم بغير مقتض فإن التقدير أن [ ص: 158 ] اللفظ لا يقتضي العموم والكلام عند عدم النية فيلزم ثبوت الحكم بغير مقتض وهو خلاف الإجماع فعلم أن مذهب مالك يلزم منه خلاف الإجماع فأجبته بأن قلت : إيجاب إحدى الخصال إيجاب للمشترك ووجوب المشترك يخرج المكلف عن عهدته بفرد إجماعا . وأما الطلاق في هذه الصورة فهو تحريم لمشترك فيعم أفراده وأفراده هم النسوة فيعمهن الطلاق وقررت له جميع القواعد المتقدمة فظهر الفرق واندفع السؤال وهو من الأسئلة الجليلة الحسنة فتأمله فلقد أورده على أكابر فلم يجيبوا عنه إلا بقولهم إنما عم الطلاق احتياطا للفروج فإذا قيل لهم ما الدليل على مشروعية هذا الاحتياط في الشرع لم يجدوه وأما مع ذكر هذه القواعد فتصير هذه المسألة بحيث يتعين الحق فيها تعينا ضروريا فتأمل ذلك )

قلت : صار الصدر في هذه المسألة غير صدر لتسليمه القاعدة الأولى وهي غير مسلمة ولا صحيحة فكذلك ما بني عليها والجواب الصحيح ما أجاب به الأكابر وهو أن الحكم إنما عم احتياطا للفروج ودليل مشروعية هذا الاحتياط كل دليل دل على وجوب توقي الشبهات .



حاشية ابن حسين المكي المالكي

( المسألة الثالثة ) إذا قال : لنسائه : إحداكن طالق حرمت عليه كلهن بالطلاق عند مالك رحمه الله تعالى وإن كان أحد الأمور عبارة عن واحد غير معين منها فلا يقتضي العموم والكلام عند عدم النية فيلزم عليه ثبوت الحكم بغير مقتض وهو خلاف الإجماع نظرا للاحتياط للفروج كما أجاب به الأكابر ودليل مشروعية هذا الاحتياط كل دليل دل على وجوب توقي الشبهات ولا يتم جواب الأصل ببنائه على ثلاث قواعد : الأولى أن مفهوم أحد الأمور قدر مشترك بينها لصدقه على كل واحد منها والصادق على عدد وأفراد مشترك فيه بين الأفراد . الثانية : أن الطلاق تحريم لأنه رافع لموجب النكاح والنكاح للإباحة ورافع الإباحة محرم فالطلاق محرم الثالثة أن تحريم المشترك يلزم منه تحريم جميع الجزئيات كما تقدم فيحرمن كلهن بالطلاق وهو المطلوب لأنه وإن كان كل من القاعدة الثانية والثالثة صحيحا إلا أن القاعدة الأولى غير صحيحة إذ ليس أحط الأمور هو القدر المشترك بل هو واحد غير معين منها ولذلك صدق على كل واحد منها لا لأنه الحقيقة الكلية حتى يحصل المقصود بقوله والصادق على عدد وأفراد مشترك [ ص: 175 ] فيه بين تلك الأفراد فافهم .




الخدمات العلمية