الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الثامنة :

                                                                                                                                                                                                              قوله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو على سفر } : للمريض ثلاثة أحوال : أحدها : ألا يطيق الصوم بحال ، فعليه الفطر واجبا .

                                                                                                                                                                                                              الثاني أنه يقدر على الصوم بضرر ومشقة ; فهذا يستحب له الفطر ، ولا يصوم إلا جاهل .

                                                                                                                                                                                                              وقد أنبأنا أبو الحسن الأزدي ، أنبأنا الشيخ أبو مسلم عمر بن علي الليثي الحارثي قال : أخبرنا الحيري ، أخبرنا أبو عبد ربه محمد بن عبد الله الحاكم ، حدثني أبو سعيد النسوي أحمد بن محمد ، حدثني أبو حسان صهيب بن سليم قال : سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول : اعتللت بنيسابور علة خفيفة ، وذلك في شهر رمضان ، فعادني إسحاق بن راهويه في نفر من أصحابه ، فقال لي : أفطرت يا أبا عبد الله ، فقلت : نعم فقال : خشيت أن أضعف عن قبول الرخصة قلت : أنبأنا عبدان عن ابن المبارك عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : من أي المرض أفطر ؟ قال : من أي مرض كان ، كما قال الله تعالى : { فمن كان منكم مريضا } [ ص: 111 ]

                                                                                                                                                                                                              قال البخاري : ولم يكن هكذا الحديث عند إسحاق ، وهو الثالث .

                                                                                                                                                                                                              الثالث : المسافر : والسفر في اللغة مأخوذ من الانكشاف والخروج من حال إلى حال ; وهو في عرف اللغة عبارة عن خروج يتكلف فيه مؤنة ، ويفصل فيه بعد في المسافة ، ولم يرد فيه من الشارع نص ، ولكن ورد فيه تنبيه ، وهو قوله عليه السلام في الصحيح : { لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم منها } . وفي تقديره اختلاف كثير بيناه في المسائل .

                                                                                                                                                                                                              والعمدة فيه أن العبادة تثبت في الذمية بيقين ، فلا براءة لها إلا بيقين مسقط ; وقدر السفر مشكوك فيه حتى يكون سفرا ظاهرا ، فيسقط الأصل على ما بيناه في أصول الفقه ، وبحثه فيما يتعلق بمسألتنا أن الله تعالى لما علق الحكم بالسفر علمت العرب ذلك بفضل علمها بلسانها ، وجري عادتها في أعمالها ; فلما جاء الأمر اقتصرنا فيه على العربية ، وعلى هذا الأمر مبنى الخلاف ; فقال مالك والشافعي : أقل السفر يوم وليلة .

                                                                                                                                                                                                              وقال أبو حنيفة : أقله ثلاثة أيام ، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفر يوم وليلة } .

                                                                                                                                                                                                              وفي حديث : { وسفر ثلاثة أيام } وفي آخر وذكر تمامه ; فرأى أبو حنيفة أن السفر يتحقق في ثلاثة أيام : يوم يتحمل فيه عن أهله ، ويوم ينزل فيه في مستقره ، واليوم الأوسط هو الذي يتحقق فيه السير المجرد ، بتحمل لا عن موضع الإقامة ، ونزول لا في موضع الإقامة .

                                                                                                                                                                                                              وقلنا له : إذا كان السفر متحققا في اليوم الثاني كما سردت فاليوم الأول مثله ، ولا عبرة [ ص: 112 ] بالتحمل عن الأهل والوطن ، وإنما المعول في تحقيق السفر على المبيت في غير المنزل ، ثم التحديد بستة وثلاثين ميلا ، أو ثمانية وأربعين ميلا مراحل لا تدرك بتحقيق أبدا ، وإنما هي ظنون ; فرجل احتاط وزاد ، ورجل ترخص ، ورجل تقصر ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية