الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 561 ] الرابع عشر :

        إذا كان في سماعه بعض الوهن فعليه بيانه حال الرواية ومنه إذا حدثه من حفظه في المذاكرة فليقل : حدثنا مذاكرة كما فعله الأئمة ، ومنع جماعة منهم الحمل عنهم حال المذاكرة ، وإذا كان الحديث عن ثقة ومجروح ، أو ثقتين فالأولى أن يذكرهما ، فإن اقتصر على ثقة فيهما لم يحرم ، وإذا سمع بعض حديث من شيخ وبعضه من آخر فروى جملته عنهما مبينا أن بعضه عن أحدهما وبعضه عن الآخر جاز ، ثم يصير كل جزء منه كأنه رواه عن أحدهما مبهما فلا يحتج بشيء منه إن كان فيهما مجروح ، ويجب ذكرهما جميعا مبينا إن كان عن أحدهما بعضه وعن الآخر بعضه .

        التالي السابق


        ( الرابع عشر : إذا كان في سماعه بعض الوهن ) أي الضعف ( فعليه بيانه [ ص: 562 ] حال الرواية ) فإن في إغفاله نوعا من التدليس ، وذلك كأن يسمع من غير أصل ، أو يحدث هو أو الشيخ وقت القراءة ، أو حصل نوم أو نسخ ، أو سمع بقراءة مصحف أو لحان . أو كان التسميع بخط من فيه نظر .

        ( ومنه إذا حدثه من حفظه في المذاكرة ) لتساهلهم فيها ، ( فليقل حدثنا في المذاكرة ) ونحوه ( كما فعله الأئمة ، ومنع جماعة منهم ) كابن مهدي وابن المبارك وأبي زرعة ( الحمل عنهم حال المذاكرة ) لتساهلهم فيها ; ولأن الحفظ خوان .

        وامتنع جماعة من رواية ما يحفظونه إلا من كتبهم لذلك ، منهم أحمد بن حنبل ، ( وإذا كان الحديث عن ) رجلين أحدهما ( ثقة ، و ) الآخر ( مجروح ) كحديث لأنس مثلا ، يرويه عنه ثابت البناني ، وأبان بن أبي عياش ( أو ) عن ( ثقتين ، فالأولى أن يذكرهما ) لجواز أن يكون فيه شيء ، لأحدهما لم يذكره الآخر ، وحمل لفظ أحدهما على الآخر .

        ( فإن اقتصر على ثقة فيهما لم يحرم ) ; لأن الظاهر اتفاق الروايتين ، وما ذكره من الاحتمال نادر بعيد ، ومحذور الإسقاط في الثاني ، أقل من الأول .

        قال الخطيب : وكان مسلم بن الحجاج في مثل هذا ربما أسقط المجروح ، ويذكر [ ص: 563 ] الثقة ، ثم يقول وآخر ، كناية عن المجروح ، قال : وهذا القول لا فائدة فيه ، وقال البلقيني : بل له فائدة تكثير الطرق ( وإذا سمع بعض حديث من شيخ وبعضه ) الآخر ( من ) شيخ ( آخر ، فروى جملته عنهما مبينا أن بعضه عن أحدهما ، وبعضه عن الآخر ) غير مميز لما سمعه من كل شيخ عن الآخر ( جاز ، ثم يصير كل جزء منه كأنه رواه عن أحدهما مبهما فلا يحتج بشيء منه إن كان فيهما مجروح ) ; لأنه ما من جزء منه إلا ويجوز أن يكون عن ذلك المجروح .

        ( ويجب ذكرهما ) حينئذ ( جميعا مبينا إن كان عن أحدهما بعضه وعن الآخر بعضه ) ، ولا يجوز ذكرهما ساكتا عن ذلك ، ولا إسقاط أحدهما مجروحا ، كان أو ثقة .

        ومن أمثلة ذلك حديث الإفك في الصحيح من رواية الزهري ، حيث قال : حدثني عروة وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن عائشة قال : وكل قد حدثني طائفة من حديثها ، ودخل حديث بعضهم في بعض ، وأنا أوعى ، لحديث بعضهم من بعض ، فذكر الحديث .

        [ ص: 564 ] قال العراقي : وقد اعترض بأن البخاري أسقط بعض شيوخه في مثل هذه الصورة ، واقتصر على واحد ، فقال في كتاب الرقاق من صحيحه : حدثني أبو نعيم بنصف من هذا الحديث ، ثنا عمر بن ذر ، ثنا مجاهد ، أن أبا هريرة كان يقول : والله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع ، الحديث .

        قال والجواب : أن الممتنع إنما هو إسقاط بعضهم ، وإيراد كل الحديث عن بعضهم ; لأنه حينئذ يكون قد حدث عن المذكور ببعض ما لم يسمعه منه ، فأما إذا بين أنه لم يسمع منه إلا بعض الحديث كما فعل البخاري هنا فليس بممتنع .

        وقد بين البخاري في كتاب الاستئذان البعض الذي سمعه من أبي نعيم ، فقال : حدثنا أبو نعيم ، ثنا عمرو ، ثنا محمد بن مقاتل ، أنا عبد الله ، أنا عمر بن ذر ، أنا مجاهد عن أبي هريرة قال : دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد لبنا في قدح ، فقال : أبا هر الحق أهل الصفة فادعهم ، إلي ، قال فأتيتهم فدعوتهم ، فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم فدخلوا انتهى .

        فهذا هو بعض حديث أبي نعيم الذي ذكره في الرقاق ، وأما بقية الحديث فيحتمل أن البخاري أخذه من كتاب أبي نعيم وجادة أو إجازة ، أو سمعه من شيخ آخر غير أبي نعيم ، إما محمد بن مقاتل أو غيره ، ولم يبين ذلك ، بل اقتصر على اتصال بعض الحديث من غير بيان ، ولكن ما من قطعة منه إلا وهي محتملة ; لأنها غير متصلة بالسماع ، إلا القطعة التي صرح في الاستئذان باتصالها .




        الخدمات العلمية