الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      4049 حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني أخبرنا المفضل يعني ابن فضالة عن عياش بن عباس القتباني عن أبي الحصين يعني الهيثم بن شفي قال خرجت أنا وصاحب لي يكنى أبا عامر رجل من المعافر لنصلي بإيلياء وكان قاصهم رجل من الأزد يقال له أبو ريحانة من الصحابة قال أبو الحصين فسبقني صاحبي إلى المسجد ثم ردفته فجلست إلى جنبه فسألني هل أدركت قصص أبي ريحانة قلت لا قال سمعته يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عشر عن الوشر والوشم والنتف وعن مكامعة الرجل الرجل بغير شعار وعن مكامعة المرأة المرأة بغير شعار وأن يجعل الرجل في أسفل ثيابه حريرا مثل الأعاجم أو يجعل على منكبيه حريرا مثل الأعاجم وعن النهبى وركوب النمور ولبوس الخاتم إلا لذي سلطان قال أبو داود الذي تفرد به من هذا الحديث ذكر الخاتم

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( يعني الهيثم بن شفي ) : بمعجمة وفاء بوزن علي في الأصح قاله الحافظ ( من المعافر ) : في القاموس : معافر بلد وأبو حي من حمدان والظاهر أن المراد هاهنا هو الأول ( لنصلي ) : علة لقوله خرجت ( بإيلياء ) : على وزن كيميا بالمد والقصر مدينة بيت المقدس ( وكان قاصهم ) : بالنصب خبر كان ، والقاص من يأتي بالقصة والمراد من قاصهم وأعظمهم ( رجل ) : اسم كان ( إلى جنبه ) : أي إلى جنب صاحبي ( أدركت قصص أبي ريحانة ) : أي وعظه وبيانه ( عن عشر ) : أي عشر خصال ( عن الوشر ) : بواو مفتوحة فمعجمة ساكنة فراء [ ص: 77 ] وهو على ما في النهاية تحديد الأسنان وترقيق أطرافها تفعله المرأة تتشبه بالشواب ، وإنما نهى عنه لما فيه من التغرير وتغيير خلق الله ( والوشم ) : وهو أن يغرز الجلد بإبرة ثم يحشى بكحل أو نيل فيزرق أثره أو يخضر ( والنتف ) : أي وعن نتف النساء الشعور من وجوههن ، أو نتف اللحية أو الحاجب ، بأن ينتف البياض منهما ، أو نتف الشعر عند المصيبة ( وعن مكامعة الرجل الرجل بغير شعار ) : بكسر أوله أي ثوب يتصل بشعر البدن . قال في النهاية : هو أن يضاجع الرجل صاحبه في ثوب واحد لا حاجز بينهما . وقال الخطابي : المكامعة هي المضاجعة .

                                                                      وروى أبو العباس أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي قال المكامعة مضاجعة العراة المحرمين ( وأن يجعل الرجل في أسفل ثيابه ) : أي في ذيلها وأطرافها ( حريرا ) : أي كثيرا زائدا على أربع أصابع لما مر من جوازه ، ويدل عليه تقييده بقوله ( مثل الأعاجم ) : أي مثل ثيابهم في تكثير سجافها ، ولعلهم كانوا يفعلونها أيضا على ظهارة ثيابهم تكبرا وافتخارا .

                                                                      قال المظهر يعني لبس الحرير حرام على الرجال سواء كانت تحت الثياب أو فوقها وعادة جهال العجم أن يلبسوا تحت الثياب ثوبا قصيرا من الحرير ليلين أعضاءهم وكذا قوله ( أو يجعل على منكبيه حريرا ) : أي علما من حرير زائد على قدر أربع أصابع ( وعن النهبى ) : بضم فسكون مصدر بمعنى النهب والإغارة وقد يكون اسما لما ينهب ، والمراد النهي عن إغارة المسلمين ( وركوب النمور ) : بضمتين جمع نمر أي جلودها قيل لأنها من زي الأعاجم ( ولبوس الخاتم ) : بضم اللام مصدر كالدخول ، والخاتم بكسر التاء وتفتح ( إلا لذي سلطان ) : .

                                                                      قال الخطابي : ويشبه أن يكون إثما كره الخاتم لغير ذي سلطان لأنه حينئذ يكون زينة محضة لا لحاجة ولا لإرب غير الزينة .

                                                                      قال الحافظ في الفتح قال الطحاوي بعد أن أخرج حديث أبي ريحانة : ذهب قوم إلى كراهة لبس الخاتم إلا لذي سلطان ، وخالفهم آخرون فأباحوه ، ومن حجتهم حديث أنس أن [ ص: 78 ] النبي صلى الله عليه وسلم لما ألقى خاتمه ألقى الناس خواتيمهم ، فإنه يدل على أنه كان يلبس الخاتم في العهد النبوي من ليس ذا سلطان .

                                                                      فإن قيل هو منسوخ ، قلنا الذي نسخ منه خاتم الذهب ، ثم أورد عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يلبسون الخواتم ممن ليس له سلطان انتهى .

                                                                      ولم يجب عن حديث أبي ريحانة ، والذي يظهر أن لبسه لغير ذي سلطان خلاف الأولى لأنه ضرب من التزين واللائق بالرجال خلافه ، وتكون الأدلة الدالة على الجواز هي الصارفة للنهي عن التحريم ، ويؤيده أن في بعض طرقه نهى عن الزينة والخاتم . الحديث ، ويمكن أن يكون المراد بالسلطان من له سلطنة على شيء ما يحتاج إلى الختم عليه لا السلطان الأكبر خاصة ، والمراد بالخاتم ما يختم به فيكون لبسه عبثا ، وأما من لبس الخاتم الذي لا يختم به وكان من الفضة للزينة فلا يدخل في النهي ، وعلى ذلك يحمل حال من لبسه .

                                                                      وقد سئل مالك عن حديث أبي ريحانة فضعفه انتهى كلام الحافظ باختصار .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه النسائي وابن ماجه وفيه مقال وأبو ريحانة هذا اسمه شمعون بالشين المعجمة والعين المهملة ويقال شمغون بالشين والغين المعجمتين ، ورجحه بعضهم وهو أنصاري وقيل قرشي ، ويقال له مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم بصرة وروى عنه من أهلها غير واحد .




                                                                      الخدمات العلمية