الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      وقال الأثرم : أخبرني عبد الله بن المبارك شيخ سمع قديما ، قال : كنا عند ابن علية ، فضحك بعضنا وثم أحمد . قال : فأتينا إسماعيل بعد فوجدناه غضبان ، فقال : تضحكون وعندي أحمد بن حنبل ! .

                                                                                      قال المروذي : قال لي أبو عبد الله : كنا عند يزيد بن هارون ، فوهم في شيء ، فكلمته ، فأخرج كتابه ، فوجده كما قلت ، فغيره فكان إذا جلس ، يقول : يا ابن حنبل ، ادن ، يا ابن حنبل ، ادن هاهنا . ومرضت فعادني ، فنطحه الباب .

                                                                                      المروذي : سمعت جعفر بن ميمون بن الأصبغ ، سمعت أبي يقول : كنا عند يزيد بن هارون ، وكان عنده المعيطي ، وأبو خيثمة ، وأحمد ، وكانت في يزيد - رحمه الله - مداعبة ، فذاكره المعيطي بشيء . فقال له يزيد : فقدتك ، فتنحنح أحمد فالتفت إليه ، فقال : من ذا ؟ قالوا : أحمد بن حنبل ، فقال : ألا أعلمتموني أنه هاهنا ؟ .

                                                                                      قال المروذي : فسمعت بعض الواسطين يقول : ما رأيت يزيد بن هارون ترك المزاح لأحد إلا لأحمد بن حنبل .

                                                                                      قال أحمد بن سنان القطان : ما رأيت يزيد لأحد أشد تعظيما منه لأحمد بن حنبل ، ولا أكرم أحدا مثله ، كان يقعده إلى جنبه ، ويوقره ، ولا يمازحه . [ ص: 195 ]

                                                                                      وقال عبد الرزاق : ما رأيت أحدا أفقه ولا أورع من أحمد بن حنبل . قلت : قال هذا ، وقد رأى مثل الثوري ومالك وابن جريج .

                                                                                      وقال حفص بن غياث : ما قدم الكوفة مثل أحمد .

                                                                                      وقال أبو اليمان : كنت أشبه أحمد بأرطاة بن المنذر .

                                                                                      وقال الهيثم بن جميل الحافظ : إن عاش أحمد سيكون حجة على أهل زمانه .

                                                                                      وقال قتيبة : خير أهل زماننا ابن المبارك ، ثم هذا الشاب ، يعني : أحمد بن حنبل ، وإذا رأيت رجلا يحب أحمد ، فاعلم أنه صاحب سنة . ولو أدرك عصر الثوري ، والأوزاعي ، والليث ، لكان هو المقدم عليهم . فقيل لقتيبة : يضم أحمد إلى التابعين ؟ قال : إلى كبار التابعين .

                                                                                      وقال قتيبة : لولا الثوري ، لمات الورع ، ولولا أحمد لأحدثوا في الدين ، أحمد إمام الدنيا . قلت : قد روى أحمد في " مسنده " عن قتيبة كثيرا . وقيل لأبي مسهر الغساني : تعرف من يحفظ على الأمة أمر دينها ؟

                                                                                      قال : شاب في ناحية المشرق ، يعني : أحمد .

                                                                                      قال المزني : قال لي الشافعي : رأيت ببغداد شابا إذا قال : حدثنا ، قال الناس كلهم : صدق . قلت : ومن هو ؟ قال : أحمد بن حنبل .

                                                                                      وقال حرملة : سمعت الشافعي يقول : خرجت من بغداد فما خلفت بها رجلا أفضل ، ولا أعلم ، ولا أفقه ، ولا أتقى من أحمد بن حنبل .

                                                                                      وقال الزعفراني : قال لي الشافعي : ما رأيت أعقل من أحمد ، وسليمان بن داود الهاشمي . [ ص: 196 ] قال محمد بن إسحاق بن راهويه : حدثني أبي ، قال : قال لي أحمد بن حنبل : تعال حتى أريك من لم ير مثله ، فذهب بي إلى الشافعي ، قال أبي : وما رأى الشافعي مثل أحمد بن حنبل . ولولا أحمد وبذل نفسه ، لذهب الإسلام - يريد المحنة .

                                                                                      وروي عن إسحاق بن راهويه قال : أحمد حجة بين الله وبين خلقه .

                                                                                      وقال محمد بن عبدويه : سمعت علي ابن المديني يقول : أحمد أفضل عندي من سعيد بن جبير في زمانه; لأن سعيدا كان له نظراء . وعن ابن المديني قال : أعز الله الدين بالصديق يوم الردة ، وبأحمد يوم المحنة .

                                                                                      وقال أبو عبيد : انتهى العلم إلى أربعة : أحمد بن حنبل وهو أفقههم ، وذكر الحكاية .

                                                                                      وقال أبو عبيد : إني لأتدين بذكر أحمد . ما رأيت رجلا أعلم بالسنة منه .

                                                                                      وقال الحسن بن الربيع : ما شبهت أحمد بن حنبل إلا بابن المبارك في سمته وهيئته .

                                                                                      الطبراني : حدثنا محمد بن الحسين الأنماطي قال : كنا في مجلس فيه يحيى بن معين ، وأبو خيثمة ، فجعلوا يثنون على أحمد بن حنبل ، فقال رجل : فبعض هذا ، فقال يحيى : وكثرة الثناء على أحمد تستنكر ! لو جلسنا مجالسنا بالثناء عليه ، ما ذكرنا فضائله بكمالها . وروى عباس ، عن ابن معين قال : ما رأيت مثل أحمد . [ ص: 197 ]

                                                                                      وقال النفيلي : كان أحمد بن حنبل من أعلام الدين .

                                                                                      وقال المروذي : حضرت أبا ثور سئل عن مسألة ، فقال : قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل شيخنا وإمامنا فيها كذا وكذا .

                                                                                      وقال ابن معين : ما رأيت من يحدث لله إلا ثلاثة : يعلى بن عبيد ، والقعنبي وأحمد بن حنبل .

                                                                                      وقال ابن معين : أرادوا أن أكون مثل أحمد ، والله لا أكون مثله أبدا .

                                                                                      وقال أبو خيثمة : ما رأيت مثل أحمد ، ولا أشد منه قلبا .

                                                                                      وقال علي بن خشرم : سمعت بشر بن الحارث يقول : أنا أسأل عن أحمد بن حنبل ؟ ! إن أحمد أدخل الكير ، فخرج ذهبا أحمر .

                                                                                      وقال عبد الله بن أحمد : قال أصحاب بشر الحافي له حين ضرب أبي : لو أنك خرجت فقلت : إني على قول أحمد ، فقال : أتريدون أن أقوم مقام الأنبياء ؟! .

                                                                                      القاسم بن محمد الصائغ : سمعت المروذي يقول : دخلت على ذي النون السجن ، ونحن بالعسكر ، فقال : أي شيء حال سيدنا ؟ يعني : أحمد بن حنبل .

                                                                                      وقال محمد بن حماد الظهراني : سمعت أبا ثور الفقيه يقول : أحمد بن حنبل أعلم أو أفقه من الثوري .

                                                                                      وقال نصر بن علي الجهضمي : أحمد أفضل أهل زمانه . [ ص: 198 ]

                                                                                      قال صالح بن علي الحلبي : سمعت أبا همام السكوني يقول : ما رأيت مثل أحمد بن حنبل ، ولا رأى هو مثله . وعن حجاج بن الشاعر قال : ما رأيت أفضل من أحمد ، وما كنت أحب أن أقتل في سبيل الله ، ولم أصل على أحمد ، بلغ والله في الإمامة أكبر من مبلغ سفيان ومالك .

                                                                                      وقال عمرو الناقد : إذا وافقني أحمد بن حنبل على حديث لا أبالي من خالفني .

                                                                                      قال ابن أبي حاتم : سألت أبي عن علي ابن المديني وأحمد بن حنبل ، أيهما أحفظ ؟ فقال : كانا في الحفظ متقاربين ، وكان أحمد أفقه ، إذا رأيت من يحب أحمد ، فاعلم أنه صاحب سنة .

                                                                                      وقال أبو زرعة : أحمد بن حنبل أكبر من إسحاق وأفقه ، ما رأيت أحدا أكمل من أحمد .

                                                                                      وقال محمد بن يحيى الذهلي : جعلت أحمد إماما فيما بيني وبين الله .

                                                                                      وقال محمد بن مهران الجمال : ما بقي غير أحمد .

                                                                                      قال إمام الأئمة ابن خزيمة : سمعت محمد بن سحتويه ، سمعت أبا عمير بن النحاس الرملي ، وذكر أحمد بن حنبل ، فقال : رحمه الله ، عن الدنيا ما كان أصبره ، وبالماضين ما كان أشبهه ، وبالصالحين ما كان ألحقه ، عرضت له الدنيا فأباها ، والبدع فنفاها .

                                                                                      قال أبو حاتم : كان أبو عمير من عباد المسلمين . قال لي : أمل علي شيئا عن أحمد بن حنبل . [ ص: 199 ] وروي عن أبي عبد الله البوشنجي : قال : ما رأيت أجمع في كل شيء من أحمد بن حنبل ، ولا أعقل منه .

                                                                                      وقال ابن وارة : كان أحمد صاحب فقه ، صاحب حفظ ، صاحب معرفة .

                                                                                      وقال النسائي : جمع أحمد بن حنبل المعرفة بالحديث والفقه والورع والزهد والصبر . وعن عبد الوهاب الوراق : قال : لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : فردوه إلى عالمه رددناه إلى أحمد بن حنبل ، وكان أعلم أهل زمانه .

                                                                                      وقال أبو داود : كانت مجالس أحمد مجالس الآخرة ، لا يذكر فيها شيء من أمر الدنيا ، ما رأيته ذكر الدنيا قط .

                                                                                      قال صالح بن محمد جزرة : أفقه من أدركت في الحديث أحمد بن حنبل .

                                                                                      قال علي بن خلف : سمعت الحميدي يقول : ما دمت بالحجاز ، وأحمد بالعراق ، وابن راهويه بخراسان لا يغلبنا أحد . [ ص: 200 ] الخلال : حدثنا محمد بن ياسين البلدي ، سمعت ابن أبي أويس ، وقيل له ذهب أصحاب الحديث ، فقال : ما أبقى الله أحمد بن حنبل ، فلم يذهب أصحاب الحديث .

                                                                                      وعن ابن المديني قال : أمرني سيدي أحمد بن حنبل أن لا أحدث إلا من كتاب .

                                                                                      الحسين بن الحسن أبو معين الرازي : سمعت ابن المديني يقول : ليس في أصحابنا أحفظ من أحمد ، وبلغني أنه لا يحدث إلا من كتاب ، ولنا فيه أسوة . وعنه قال : أحمد اليوم حجة الله على خلقه .

                                                                                      أخبرنا عمر بن عبد المنعم ، عن أبي اليمن الكندي ، أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم ، أخبرنا أبو إسماعيل الأنصاري ، أخبرنا أبو يعقوب القراب ، أخبرنا محمد بن عبد الله الجوزقي ، سمعت أبا حامد الشرقي ، سمعت أحمد بن سلمة ، سمعت أحمد بن عاصم ، سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول : انتهى العلم إلى أربعة : أحمد بن حنبل وهو أفقههم فيه ، وإلى ابن أبي شيبة وهو أحفظهم له ، وإلى علي ابن المديني وهو أعلمهم به ، وإلى يحيى بن معين وهو أكتبهم له .

                                                                                      إسحاق المنجنيقي : حدثنا القاسم بن محمد المؤدب ، عن محمد بن أبي بشر قال : أتيت أحمد بن حنبل في مسألة ، فقال : ائت أبا عبيد; فإن له بيانا لا تسمعه من غيره . فأتيته فشفاني جوابه . فأخبرته بقول أحمد ، فقال : ذاك رجل من عمال الله ، نشر الله رداء عمله ، وذخر له عنده الزلفى ، أما تراه محببا مألوفا . ما رأت عيني بالعراق رجلا اجتمعت فيه خصال هي فيه ، فبارك الله له فيما أعطاه من الحلم والعلم والفهم ، فإنه لكما قيل : [ ص: 201 ]

                                                                                      يزينك إما غاب عنك فإن دنا رأيت له وجها يسرك مقبلا     يعلم هذا الخلق ما شذ عنهم
                                                                                      من الأدب المجهول كهفا ومعقلا     ويحسن في ذات الإله إذا رأى
                                                                                      مضيما لأهل الحق لا يسأم البلا     وإخوانه الأدنون كل موفق
                                                                                      بصير بأمر الله يسمو على العلا



                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية