الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      قال : ومكث خمسة عشر يوما يفطر كل ثلاث على ثمن سويق ، ثم جعل بعد ذلك يفطر ليلة على رغيف ، وليلة لا يفطر . وإذا جاءوا بالمائدة ، توضع في الدهليز لئلا يراها . وكان إذا أجهده الحر بل خرقة ، فيضعها على صدره . وفي كل يوم يوجه إليه بابن ماسويه ، فينظر إليه ، فقال . يا أبا عبد الله ، أنا أميل إليك وإلى أصحابك ، وما بك علة سوى الضعف وقلة الرز . [ ص: 276 ] قال : وجعل يعقوب وغياث يصيران إليه ، ويقولان له : يقول لك أمير المؤمنين : ما تقول في ابن دواد وفي ماله ؟ فلا يجيب بشيء . وجعل يعقوب ويحيى يخبرانه بما يحدث في أمر ابن أبي دواد . ثم بعث إلى بغداد بعدما أشهد ببيع ضياعه . وكان ربما جاء يحيى بن خاقان - وأبو عبد الله يصلي - فيجلس في الدهليز حتى يفرغ من الصلاة .

                                                                                      وأمر المتوكل أن تشترى لنا دار ، فقال : يا صالح ، قلت : لبيك .

                                                                                      قال لئن أقررت لهم بشراء دار ، لتكونن القطيعة بيني وبينكم ، وإنما يريدون أن يصيروا هذا البلد لي مأوى . فلم يزل يدافع بشراء الدار حتى اندفع .

                                                                                      وجعلت رسل المتوكل تأتيه ، يسألونه عن خبره ، ويرجعون ، فيقولون : هو ضعيف . وفي خلال ذلك يقولون : يا أبا عبد الله ، لا بد من أن يراك .

                                                                                      وجاءه يعقوب ، فقال أمير المؤمنين مشتاق إليك ، ويقول : انظر يوما تصير فيه أي يوم حتى أعرفه ، فقال إليكم ، فقال : يوم الأربعاء ، فخرج .

                                                                                      فلما كان من الغد ، جاء فقال : البشرى يا أبا عبد الله ! إن أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ، ويقول : قد أعفيتك من لبس السواد والركوب إلى ولاة العهود وإلى الدار ، فالبس ما شئت . فجعل يحمد الله على ذلك .

                                                                                      ثم قال يعقوب : إن لي ابنا أنا به معجب ، وإن له في قلبي موقعا ، فأحب أن تحدثه بأحاديث ، فسكت . فلما خرج ، قال : أتراه لا يرى ما أنا فيه ؟ ! ! .

                                                                                      وكان يختم القرآن من جمعة إلى جمعة ، وإذا ختم ، دعا ، ونحن [ ص: 277 ] نؤمن . فلما كان غداة الجمعة ، وجه إلي وإلى أخي . فلما ختم ، جعل يدعو ونحن نؤمن . فلما فرغ ، جعل يقول : أستخير الله مرات . فجعلت أقول : ما يريد ؟ ثم قال : إني أعطي الله عهدا ، وإن عهده كان مسئولا ، وقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود إني لا أحدث بحديث تمام أبدا حتى ألقى الله ، ولا أستثني منكم أحدا ، فخرجنا ، وجاء علي بن الجهم فأخبرناه ، فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون . وأخبر المتوكل بذلك . قال : إنما يريدون أحدث ، ويكون هذا البلد حبسي ، وإنما كان سبب الذين أقاموا بهذا البلد لما أعطوا فقبلوا ، وأمروا فحدثوا . والله لقد تمنيت الموت في الأمر الذي كان ، وإني لأتمنى الموت في هذا وذاك . إن هذه فتنة الدنيا وذاك كان فتنة الدين ، ثم جعل يضم أصابعه ، ويقول : لو كان نفسي في يدي لأرسلتها ثم يفتح أصابعه .

                                                                                      وكان المتوكل يكثر السؤال عنه ، وفي خلال ذلك يأمر لنا بالمال ، ويقول : لا يعلم شيخهم فيغتم ، ما يريد منهم ؟ إن كان هو لا يريد الدنيا ، فلم يمنعهم ؟ ! وقالوا للمتوكل : إنه لا يأكل من طعامك ، ولا يجلس على فراشك ، ويحرم الذي تشرب . فقال : لو نشر لي المعتصم ، وقال فيه شيئا ، لم أقبل منه .

                                                                                      قال صالح : ثم انحدرت إلى بغداد ، وخلفت عبد الله عنده . فإذا عبد الله قد قدم ، فقلت : ما لك ؟ قال : أمرني أن أنحدر . وقال : قل لصالح : [ ص: 278 ] لا تخرج ، فأنتم كنتم آفتي ، والله لو استقبلت من أمري ما استدبرت ، ما أخرجت واحدا منكم معي . لولاكم لمن كانت توضع هذه المائدة ، وتفرش الفرش ، وتجرى الأجراء ؟ فكتبت إليه أعلمه بما قال لي عبد الله ، فكتب إلي بخطه : أحسن الله عاقبتك ، ودفع عنك كل مكروه ومحذور ، الذي حملني على الكتاب إليك الذي قلت لعبد الله ، لا يأتيني منكم أحد رجاء أن ينقطع ذكري ويخمل . وإذا كنتم هاهنا ، فشا ذكري ، وكان يجتمع إليكم قوم ينقلون أخبارنا ، ولم يكن إلا خير . فإن أقمت فلم يأتني أنت ولا أخوك ، فهو رضائي ، ولا تجعل في نفسك إلا خيرا ، والسلام عليك .

                                                                                      قال : ولما سافرنا ، رفعت المائدة والفرش ، وكل ما أقيم لنا .

                                                                                      قال صالح : وبعث المتوكل إلى أبي بألف دينار ليقسمها ، فجاءه علي بن الجهم في جوف الليل ، فأخبره بأنه يهيئ له حراقة ، ثم جاء عبيد الله بألف دينار ، فقال : إن أمير المؤمنين قد أذن لك ، وأمر لك بهذه . فقال : قد أعفاني أمير المؤمنين مما أكره ، فردها . وقال : أنا رقيق على البرد ، والظهر أرفق بي . فكتب له جواز ، وكتب إلى محمد بن عبد الله في بره وتعاهده . فقدم علينا ، ثم قال : يا صالح ، قلت : لبيك . قال : أحب أن تدع هذا الرزق ، فإنما تأخذونه بسببي فسكت ، فقال : ما لك ؟ قلت : أكره أن أعطيك بلساني ، وأخالف إلى غيره ، وليس في القوم أكثر عيالا مني ، ولا أعذر . وقد كنت أشكو إليك ، وتقول : أمرك منعقد بأمري . ولعل الله أن يحل عني هذه العقدة ، وقد كنت تدعو لي ، فأرجو أن يكون الله قد استجاب لك . فقال : والله لا تفعل . فقلت : لا . فقال : لم ؟ فعل الله بك وفعل ! ! [ ص: 279 ] وذكر قصة في دخول عبد الله أخيه عليه ، وقوله وجوابه له ، ثم دخول عمه عليه ، وإنكاره للأخذ ، قال : فهجرنا أبي ، وسد الأبواب بيننا وبينه ، وتحامى منازلنا ، ثم أخبر بأخذ عمه ، فقال : نافقتني وكذبتني ! ! ثم هجره ، وترك الصلاة في المسجد ، وخرج إلى مسجد آخر يصلي فيه .

                                                                                      ثم ذكر قصة في دعائه صالحا ومعاتبته له ، ثم في كتابته إلى يحيى بن خاقان ليترك معونة أولاده ، وأن الخبر بلغ المتوكل ، فأمر بحمل ما اجتمع لهم من عشرة أشهر إليهم ، فكان أربعين ألف درهم . وأن أبا عبد الله أخبر بذلك ، فسكت قليلا وأطرق . ثم قال : ما حيلتي إن أردت أمرا ، وأراد الله أمرا ؟ !

                                                                                      قال صالح : وكان رسول المتوكل يأتي أبي يبلغه السلام ، ويسأله عن حاله . قال : فتأخذه قشعريرة حتى ندثره ، ثم يقول : والله لو أن نفسي في يدي لأرسلتها .

                                                                                      وجاء رسول المتوكل إليه ، يقول : لو سلم أحد من الناس ، سلمت أنت . رفع رجل إلينا أن علويا قدم من خراسان ، وأنك وجهت إليه من يلقاه . وقد حبست الرجل ، وأردت ضربه ، فكرهت أن تغتم ، فمر فيه . . قال : هذا باطل يخلى سبيله .

                                                                                      ثم ذكر صالح قصة في قدوم المتوكل بغداد ، وإشارة أبي عبد الله على صالح بأن لا يذهب إليهم ، ومجئ يحيى بن خاقان من عند المتوكل . [ ص: 280 ]

                                                                                      وقوله : قد أعفاني أمير المؤمنين من كل ما أكره ، وفي توجيه أمير . بغداد محمد بن عبد الله بن طاهر إلى أحمد ليحضر إليه ، وامتناع أحمد ، وقوله : أنا رجل لم أخالط السلطان ، وقد أعفاني أمير المؤمنين مما أكره ، وهذا مما أكره .

                                                                                      قال : وكان قد أدمن الصوم لما قدم من سامراء ، وجعل لا يأكل الدسم . وكان قبل ذلك يشترى له الشحم بدرهم فيأكل منه شهرا !! الخلال : حدثني محمد بن الحسين ، أن المروذي حدثهم ، قال : كان أبو عبد الله بالعسكر يقول : انظر ، هل تجد ماء باقلى ؟ فكنت ربما بللت خبزه بالماء ، فيأكله بالملح . ومنذ دخلنا العسكر إلى أن خرجنا ، ما ذاق طبيخا ولا دسما .

                                                                                      وعن المروذي قال : أنبهني أبو عبد الله ليلة ، وكان قد واصل فقال : هو ذا يدار بي من الجوع ، فأطعمني شيئا . فجئته بأقل من رغيف ، فأكله ، وقال : لولا أني أخاف العون على نفسي ، ما أكلت . وكان يقوم إلى المخرج ، فيقعد يستريح من الجوع ، حتى إن كنت لأبل الخرقة ، فيلقيها على وجهه ، لترجع نفسه إليه ، حتى إنه أوصى من الضعف من غير مرض ، فسمعته يقول - ونحن بالعسكر - هذا ما أوصى به أحمد بن محمد ، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله . [ ص: 281 ]

                                                                                      وقال عبد الله بن أحمد : أوصى أبي هذه : هذا ما أوصى به أحمد بن محمد بن حنبل ، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله ، إلى أن قال : وأوصى أن علي لفوران نحوا من خمسين دينارا ، وهو مصدق فيما قال ، فيقضى من غلة الدار . فإذا استوفى ، أعطي ولد عبد الله وصالح ، كل ذكر وأنثى عشرة دراهم . شهد أبو يوسف ، وعبد الله وصالح ابنا أحمد .

                                                                                      أنبأونا عمن سمع أبا علي المقرئ ، أخبرنا أبو نعيم حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا عبد الله بن أحمد قال : كتب عبيد الله بن يحيى بن خاقان إلى أبي يخبره أن أمير المؤمنين أمرني أن أكتب إليك أسالك عن القرآن ، لا مسألة امتحان ، لكن مسألة معرفة وتبصرة . فأملى علي أبي : إلى عبيد الله بن يحيى ، بسم الله الرحمن الرحيم ، أحسن الله عاقبتك أبا الحسن في الأمور كلها ، ودفع عنك المكاره برحمته ، قد كتبت إليك ، رضي الله عنك ، بالذي سأل عنه أمير المؤمنين بأمر القرآن بما حضرني ، وأني أسأل الله أن يديم توفيق أمير المؤمنين ، فقد كان الناس في خوض من الباطل ، واختلاف شديد ينغمسون فيه ، حتى أفضت الخلافة إلى أمير المؤمنين ، فنفى الله به كل بدعة ، وانجلى عن الناس ما كانوا فيه من الذل وضيق المحابس فصرف الله ذلك كله ، وذهب به بأمير المؤمنين ، ووقع ذلك من المسلمين موقعا عظيما ، ودعوا الله لأمير المؤمنين [ وأسأل الله أن يستجيب في أمير المؤمنين صالح الدعاء ، وأن يتم ذلك لأمير المؤمنين ] [ ص: 282 ] وأن يزيد في نيته ، وأن يعينه على ما هو عليه . فقد ذكر عن ابن عباس أنه قال : لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض ، فإنه يوقع الشك في قلوبكم .

                                                                                      وذكر عن عبد الله بن عمرو ، أن نفرا كانوا جلوسا بباب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال بعضهم : ألم يقل [ الله ] كذا ، وقال بعضهم : ألم يقل الله كذا ؟ فسمع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرج كأنما فقئ في وجهه حب الرمان ، فقال : أبهذا أمرتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟ إنما ضلت الأمم قبلكم في مثل هذا [ إنكم لستم مما هاهنا في شيء ] انظروا الذي أمرتم به ، فاعملوا به ، وانظروا الذي نهيتم عنه ، فانتهوا عنه .

                                                                                      وروي عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : مراء في القرآن كفر . [ ص: 283 ]

                                                                                      وروي عن أبي جهيم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تماروا في القرآن; فإن مراء فيه كفر .

                                                                                      وقال ابن عباس : قدم رجل على عمر ، فجعل عمر يسأله عن الناس ، فقال : يا أمير المؤمنين ، قد قرأ القرآن منهم كذا وكذا . فقال ابن عباس : فقلت : والله ما أحب أن يتسارعوا يومهم في القرآن هذه المسارعة . فزبرني عمر ، وقال : مه . فانطلقت إلى منزلي كئيبا حزينا ، فبينا أنا كذلك ، إذ أتاني رجل ، فقال : أجب أمير المؤمنين . فخرجت ، فإذا هو بالباب ينتظرني ، فأخذ بيدي ، فخلا بي ، وقال : ما الذي كرهت ؟ قلت : يا أمير المؤمنين ، متى يتسارعوا هذه المسارعة ، يحتقوا ، ومتى ما يحتقوا يختصموا ، ومتى ما يختصموا يختلفوا ، ومتى ما يختلفوا يقتتلوا . قال : لله أبوك ، والله إن كنت لأكتمها الناس ، حتى جئت بها . .

                                                                                      وروي عن جابر ، قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعرض نفسه على الناس بالموقف ، فيقول : هل من رجل يحملني إلى قومه ; فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي . [ ص: 284 ]

                                                                                      وروي عن جبير بن نفير ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنكم لن ترجعوا إلى الله بشيء أفضل مما خرج منه ، يعني : القرآن .

                                                                                      وروي عن ابن مسعود قال : جردوا القرآن ، لا تكتبوا فيه شيئا إلا كلام الله .

                                                                                      وروي عن عمر أنه قال : هذا القرآن كلام الله ، فضعوه مواضعه .

                                                                                      وقال رجل للحسن : يا أبا سعيد ، إني إذا قرأت كتاب الله ، وتدبرته ، كدت أن آيس وينقطع رجائي ، فقال : إن القرآن كلام الله ، وأعمال ابن آدم إلى الضعف والتقصير ، فاعمل وأبشر .

                                                                                      وقال فروة بن نوفل الأشجعي : كنت جارا لخباب ، فخرجت يوما معه إلى المسجد ، وهو آخذ بيدي ، فقال : " يا هناه ، تقرب إلى الله بما استطعت ، فإنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه " .

                                                                                      وقال رجل للحكم : ما حمل أهل الأهواء على هذا ؟ قال : الخصومات .

                                                                                      وقال معاوية بن قرة : إياكم وهذه الخصومات; فإنها تحبط الأعمال . [ ص: 285 ]

                                                                                      وقال أبو قلابة : لا تجالسوا أهل الأهواء ، أو قال : أصحاب الخصومات . فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم ، ويلبسوا عليكم بعض ما تعرفون .

                                                                                      ودخل رجلان من أصحاب الأهواء على محمد بن سيرين ، فقالا : يا أبا بكر ، نحدثك بحديث ؟ قال : لا . قالا : فنقرأ عليك آية ؟ قال : لا . لتقومان عني ، أو لأقومنه ، فقاما . [ فقال بعض القوم : يا أبا بكر ، وما عليك أن يقرآ عليك آية ؟ قال . . . ] وقال : خشيت أن يقرآ آية فيحرفانها ، فيقر ذلك في قلبي .

                                                                                      وقال رجل من أهل البدع لأيوب : يا أبا بكر أسألك عن كلمة ؟ فولى ، وهو يقول بيده : لا ، ولا نصف كلمة .

                                                                                      وقال ابن طاوس لابن له يكلمه رجل من أهل البدع : يا بني أدخل أصبعيك في أذنيك حتى لا تسمع ما يقول . ثم قال : اشدد اشدد .

                                                                                      وقال عمر بن عبد العزيز : من جعل دينه غرضا للخصومات ، أكثر التنقل .

                                                                                      وقال إبراهيم النخعي : إن القوم لم يدخر عنهم شيء خبئ لكم لفضل عندكم .

                                                                                      وكان الحسن يقول : شر داء خالط قلبا ، يعني : الأهواء .

                                                                                      وقال حذيفة : اتقوا الله ، وخذوا طريق من كان قبلكم ، والله لئن استقمتم ، لقد سبقتم سبقا بعيدا ، ولئن تركتموه يمينا وشمالا ، لقد ضللتم [ ص: 286 ] ضلالا بعيدا ، أو قال : مبينا .

                                                                                      قال أبي : وإنما تركت الأسانيد لما تقدم من اليمين التي حلفت بها مما قد علمه أمير المؤمنين ، ولولا ذاك ، ذكرتها بأسانيدها . وقد قال الله تعالى : وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله وقال ألا له الخلق والأمر فأخبر أن الأمر غير الخلق . وقال : الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان فأخبر أن القرآن من علمه . وقال تعالى : ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير وقال ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك إلى قوله : ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين فالقرآن من علم الله . وفي الآيات دليل على أن الذي جاءه هو القرآن . وقد . روي عن السلف أنهم كانوا يقولون : القرآن كلام الله غير مخلوق ، وهو الذي أذهب إليه ، لست بصاحب كلام ، ولا أرى الكلام في شيء من هذا إلا ما كان في كتاب الله ، أو في حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عن أصحابه ، أو عن التابعين . فأما غير ذلك ، فإن الكلام فيه غير محمود .

                                                                                      فهذه الرسالة إسنادها كالشمس ، فانظر إلى هذا النفس النوراني . لا كرسالة الإصطخري ولا كالرد على الجهمية الموضوع على أبي عبد [ ص: 287 ] الله ; فإن الرجل كان تقيا ورعا لا يتفوه بمثل ذلك . ولعله قاله ، وكذلك رسالة المسيء في الصلاة باطلة . وما ثبت عنه أصلا وفرعا ففيه كفاية .

                                                                                      ومما ثبت عنه مسألة الإيمان ، وقد صنف فيها .

                                                                                      قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل يقول : الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ، البر كله من الإيمان ، والمعاصي تنقص الإيمان . [ ص: 288 ]

                                                                                      وقال إسحاق بن إبراهيم البغوي : سمعت أحمد يقول : من قال : القرآن مخلوق ، فهو كافر . وسمع سلمة بن شبيب أحمد يقول ذلك ، وهذا متواتر عنه .

                                                                                      وقال أبو إسماعيل الترمذي : سمعت أحمد بن حنبل يقول : من قال : القرآن محدث ، فهو كافر .

                                                                                      وقال إسماعيل بن الحسن السراج : سألت أحمد عمن يقول : القرآن مخلوق ، قال : كافر ، وعمن يقول : لفظي بالقرآن مخلوق ، فقال : جهمي .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية