الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      فصل

                                                                                      قال ابن الجوزي : كان الإمام لا يرى وضع الكتب ، وينهى عن كتبة كلامه ومسائله . ولو رأى ذلك ، لكانت له تصانيف كثيرة ، وصنف " المسند " وهو ثلاثون ألف حديث ، وكان يقول لابنه عبد الله : احتفظ بهذا المسند ; فإنه سيكون للناس إماما . " والتفسير " وهو مائة وعشرون ألفا ، [ ص: 328 ] و " الناسخ والمنسوخ " ، " والتاريخ " ، و " حديث شعبة " ، " والمقدم والمؤخر في القرآن " ، " وجوابات القرآن " ، " والمناسك " الكبير والصغير ، وأشياء أخر .

                                                                                      قلت : وكتاب " الإيمان " ، وكتاب " الأشربة " ورأيت له ورقة من كتاب " الفرائض " . فتفسيره المذكور شيء لا وجود له . ولو وجد ، لاجتهد الفضلاء في تحصيله ، ولاشتهر ، ثم لو ألف تفسيرا ، لما كان يكون أزيد من عشرة آلاف أثر ، ولاقتضى أن يكون في خمس مجلدات . فهذا تفسير ابن جرير الذي جمع فيه فأوعى لا يبلغ عشرين ألفا . وما ذكر تفسير أحمد أحد سوى أبي الحسين بن المنادي . فقال في " تاريخه " : لم [ ص: 329 ] يكن أحد أروى في الدنيا عن أبيه من عبد الله بن أحمد ، لأنه سمع منه " المسند " وهو ثلاثون ألفا ، و " التفسير " وهو مائة وعشرون ألفا ، سمع ثلثيه ، والباقي وجادة .

                                                                                      ابن السماك : حدثنا حنبل ، قال : جمعنا أحمد بن حنبل ، أنا وصالح وعبد الله ، وقرأ علينا " المسند " ، ما سمعه غيرنا . وقال : هذا الكتاب : جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفا ، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارجعوا إليه . فإن وجدتموه فيه ، وإلا فليس بحجة .

                                                                                      قلت : في " الصحيحين " أحاديث قليلة ، ليست في " المسند " ، لكن قد يقال : لا ترد على قوله ; فإن المسلمين ما اختلفوا فيها ، ثم ما يلزم من هذا القول : أن ما وجد فيه أن يكون حجة ، ففيه جملة من الأحاديث الضعيفة مما يسوغ نقلها ، ولا يجب الاحتجاج بها . وفيه أحاديث معدودة شبه موضوعة ، ولكنها قطرة في بحر . وفي غضون المسند زيادات جمة لعبد الله بن أحمد .

                                                                                      قال ابن الجوزي : وله - يعني : أبا عبد الله - من المصنفات [ ص: 330 ] كتاب " نفي الشبيه " مجلدة ، وكتاب " الإمامة " مجلدة صغيرة ، وكتاب " الرد على الزنادقة " ثلاثة أجزاء ، وكتاب " الزهد " مجلد كبير ، وكتاب " الرسالة في الصلاة " ، قلت : هو موضوع على الإمام ، قال : وكتاب " فضائل الصحابة " مجلدة . قلت : فيه زيادات لعبد الله ابنه ، ولأبي بكر القطيعي صاحبه .

                                                                                      وقد دون عنه كبار تلامذته مسائل وافرة في عدة مجلدات ، كالمروذي ، والأثرم ، وحرب ، وابن هانئ ، والكوسج ، وأبي طالب ، وفوران ، وبدر المغازلي ، وأبي يحيى الناقد ، ويوسف بن موسى الحربي ، وعبدوس العطار ، ومحمد بن موسى بن مشيش ، ويعقوب بن بختان ، ومهنى الشامي ، وصالح بن أحمد ، وأخيه ، وابن عمهما حنبل ، وأبي الحارث أحمد بن محمد الصائغ ، والفضل بن زياد ، وأبي الحسن الميموني ، والحسن بن ثواب ، وأبي داود السجستاني ، وهارون الحمال ، والقاضي أحمد بن محمد البرتي ، وأيوب بن إسحاق بن سافري ، وهارون المستملي ، وبشر بن موسى ، وأحمد بن القاسم صاحب أبي عبيد ، ويعقوب بن العباس الهاشمي ، وحبيش بن سندي ، وأبي الصقر يحيى بن يزداد الوراق ، وأبي جعفر محمد بن يحيى الكحال ، ومحمد بن حبيب البزاز ، ومحمد بن موسى النهرتيري ، ومحمد بن أحمد بن واصل المقرئ ، وأحمد بن أصرم المزني ، وعبدوس الحربي قديم ، عنده عن أحمد نحو من عشرة آلاف مسألة لم يحدث بها ، وإبراهيم الحربي ، وأبي جعفر محمد بن الحسن بن هارون بن بدينا ، وجعفر بن محمد بن الهذيل الكوفي ، وكان يشبهونه في الجلالة بمحمد بن عبد الله بن نمير ، وأبي شيبة إبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة ، ومحمد بن عبد الله مطين ، وجعفر بن [ ص: 331 ] أحمد الواسطي ، والحسن بن علي الإسكافي ، والحسن بن علي بن بحر بن بري القطان ، والحسين بن إسحاق التستري ، والحسن بن محمد بن الحارث السجستاني ، قال الخلال : يقرب من أبي داود في المعرفة وبصر الحديث والتفقه ، وإسماعيل بن عمر السجزي الحافظ ، وأحمد بن الفرات الرازي الحافظ . وخلق سوى هؤلاء ، سماهم الخلال في أصحاب أبي عبد الله . نقلوا المسائل الكثيرة والقليلة .

                                                                                      وجمع أبو بكر الخلال سائر ما عند هؤلاء من أقوال أحمد ، وفتاويه ، وكلامه في العلل ، والرجال والسنة والفروع ، حتى حصل عنده من ذلك ما لا يوصف كثرة . ورحل إلى النواحي في تحصيله ، وكتب عن نحو من مائة نفس من أصحاب الإمام . ثم كتب كثيرا من ذلك عن أصحاب أصحابه ، وبعضه عن رجل ، عن آخر ، عن آخر ، عن الإمام أحمد ، ثم أخذ في ترتيب ذلك ، وتهذيبه ، وتبويبه . وعمل كتاب " العلم " وكتاب " العلل " وكتاب " السنة " كل واحد من الثلاثة في ثلاث مجلدات .

                                                                                      ويروي في غضون ذلك من الأحاديث العالية عنده ، عن أقران أحمد من أصحاب ابن عيينة ووكيع وبقية مما يشهد له بالإمامة والتقدم . وألف كتاب " الجامع " في بضعة عشر مجلدة ، أو أكثر . وقد قال : في كتاب " أخلاق أحمد بن حنبل " لم يكن أحد علمت عني بمسائل أبي عبد الله قط ، ما عنيت بها أنا . وكذلك كان أبو بكر المروذي ، رحمه الله ، يقول لي : إنه لم يعن أحد بمسائل أبي عبد الله ما عنيت بها أنت إلا رجل بهمدان ، يقال له متويه ، واسمه محمد بن أبي عبد الله ، جمع سبعين جزءا كبارا . ومولد الخلال كان في حياة الإمام أحمد ، يمكن أن يكون رآه وهو صبي . [ ص: 332 ]

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية