الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6100 ص: حدثنا فهد ، قال : ثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني ، قال : ثنا زيد بن الحباب ، قال : أخبرني سيف بن سليمان المكي ، عن قيس بن سعد ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : قضى باليمين مع الشاهد " .

                                                التالي السابق


                                                ش: رجاله ثقات إلا أن النسائي قال : يحيى بن عبد الحميد ضعيف . ووثقه غيره .

                                                وزيد بن الحباب بن الريان الكوفي ، روى له الجماعة سوى البخاري ، وسيف بن سليمان ويقال : ابن أبي سليمان المكي ، روى له الجماعة سوى الترمذي .

                                                وقيس بن سعد المكي مولى نافع بن علقمة ، روى له مسلم والأربعة غير الترمذي .

                                                والحديث أخرجه أبو داود : ثنا عثمان بن أبي شيبة والحسن بن علي ، أن زيد بن الحباب حدثهم ، قال : ثنا سيف المكي -قال عثمان : سيف بن سليمان - عن قيس بن سعد ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس : "أن رسول الله -عليه السلام - قضى بيمين وشاهد " .

                                                وأخرجه النسائي عن عبيد الله بن سعيد ، عن عبد الله بن الحارث ، عن سيف . . . . بإسناده نحوه .

                                                وابن ماجه عن إبراهيم بن عبد الله الهروي ، عن عبد الله بن الحارث ، عن سيف ، به نحوه .

                                                فإن قلت : ما حال هذا الحديث ؟

                                                [ ص: 434 ] قلت : قال البيهقي : قال الشافعي : حديث ابن عباس ثابت ، ومعه ما يشده .

                                                وأخرجه مسلم في "الصحيح " : عن أبي بكر بن أبي شيبة وابن نمير ، عن زيد بن الحباب .

                                                وقال البيهقي في "الخلافيات " : سمعت الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول : وقد تعرض لهذا الحديث بعض المخالفين ممن ليس بصناعته معرفة الحديث الصحيح من السقيم ، واحتج فيه بما روى العباس الدوري ، عن يحيى بن معين قال : حديث ابن عباس : "أن النبي -عليه السلام - قضى بشاهد ويمين " ليس هذا بمحفوظ .

                                                قال أبو عبد الله : فنقول وبالله التوفيق : إن شيخنا أبا زكريا لم يطلق هذا القول على حديث سيف بن سليمان ، عن قيس بن سعد ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس . وإنما أراد الحديث الخطأ الذي روي عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس . أو الحديث الذي تفرد به إبراهيم بن محمد عن ابن أبي مليكة .

                                                وأما حديث سيف بن سليمان فليس في إسناده من يجرح ، ولم تعلم له أيضا علة يعلل بها الحديث ، والإمام أبو زكرياء أعرف بهذا الشأن من أن يظن به يوهن حديثا يرويه الثقات الأثبات ، قال علي بن المديني : سألت يحيى بن سعيد القطان عن سيف بن سليمان ، فقال : كان عندنا ثبتا ممن يصدق ويحفظ .

                                                وعلل الطحاوي هذا الحديث بأنه لا يعلم قيسا يحدث عن عمرو بن دينار بشيء وليس ما لا يعلمه الطحاوي لا يعلمه غيره ، وقد أخبرنا الحسن بن أبي عبد الله الفارسي ، أنا أبو حامد بن إسماعيل بن أبي حامد العدل ، أنا أبو عبد الله بن مخلد الدوري ، ثنا يحيى بن مسلم بن عبد الله الرازي ، ثنا وهب بن جرير ، ثنا أبي قال : سمعت قيس بن سعد يحدث عن عمرو بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : "أن رجلا وقصته ناقته وهو محرم " ولا يبعد أن يكون له عن عمرو غير هذا ،

                                                [ ص: 435 ] وليس من شرط قبول الأخبار كثرة رواية الراوي عن من روى عنه ، وإذا روى الثقة عن من لا ينكر سماعه منه حديثا واحدا وجب قبوله ، وإن لم يرو عنه غيره .

                                                قلت : ذكره الترمذي في "علله " وقال : سألت محمدا عنه -أي عن هذا الحديث - فقال : عمرو بن دينار لم يسمع هذا الحديث من ابن عباس ، فعلى هذا يرمى الحديث بالانقطاع في موضعين :

                                                الأول : من البخاري بين عمرو وابن عباس .

                                                والثاني : من الطحاوي بين قيس وعمرو ، وطعن البيهقي في كلام الطحاوي لا وجه له ; لأن أحدا من أهل هذا الشأن لم يصرح بأن قيس بن سعد سمع من عمرو بن دينار ، ولا يلزم من قول جرير : سمعت قيسا يحدث عن عمرو أن يكون قيس سمع ذلك من عمرو ، وقد روى البيهقي في باب فضل التأذين على الإمامة من حديث أبي حمزة السكري ، سمعت الأعمش يحدث ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال -عليه السلام - : "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن . . . . " الحديث . ثم لم يجعل البيهقي ذلك سماعا للأعمش من أبي صالح ، بل قال : هذا الحديث لم يسمعه الأعمش من أبي صالح إنما سمعه من رجل عن أبي صالح .

                                                وأما سيف فإن الذهبي ذكره في كتابه في "الضعفاء " وقال : رمي بالقدر ، وقال في "الميزان " : ذكره ابن عدي في "الكامل " وساق له هذا الحديث ، وسأل عباس يحيى بن معين عن هذا الحديث ، فقال : ليس بمحفوظ .

                                                ثم لو سلمنا ما ذكروا كله وقطعنا بصحة هذا الحديث وخلوه عن العلة ، فنقول : إن نص القرآن يرده على ما يجيء بيانه مستقصى ، إن شاء الله تعالى .




                                                الخدمات العلمية