الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ورع

                                                          ورع : الورع : التحرج . تورع عن كذا أي تحرج . والورع ، بكسر الراء : الرجل التقي المتحرج ، وهو ورع بين الورع ، وقد ورع من ذلك يرع ويورع ; الأخيرة عن اللحياني رعة وورعا ورعا ; حكاها سيبويه ، وورع وروعا ووراعة وتورع ، والاسم الرعة والريعة ; الأخيرة على القلب . ويقال : فلان سيئ الرعة أي قليل الورع . وفي [ ص: 194 ] الحديث : ملاك الدين الورع ; الورع في الأصل : الكف عن المحارم والتحرج منه ، وتورع من كذا ، ثم استعير للكف عن المباح والحلال . الأصمعي : الرعة الهدي وحسن الهيئة أو سوء الهيئة . يقال : قوم حسنة رعتهم أي شأنهم وأمرهم وأدبهم ، وأصله من الورع وهو الكف عن القبيح . وفي حديث الحسن - رضي الله عنه - : ازدحموا عليه فرأى منهم رعة سيئة فقال : اللهم إليك ; يريد بالرعة ههنا الاحتشام والكف عن سوء الأدب أي لم يحسنوا ذلك . يقال : ورع يرع رعة مثل وثق يثق ثقة . وفي حديث الدعاء : وأعذني من سوء الرعة أي من سوء الكف عما لا ينبغي . وفي حديث ابن عوف : وبنهيه يرعون أي يكفون . وفي حديث قيس بن عاصم : فلا يورع رجل عن جمل يختطمه أي يكف ويمنع ، وروي يوزع ، بالزاي ، وسنذكره بعدها . والورع ، بالتحريك : الجبان ، سمي بذلك لإحجامه ونكوصه . قال ابن السكيت : وأصحابنا يذهبون بالورع إلى الجبان ، وليس كذلك ، وإنما الورع الصغير الضعيف الذي لا غناء عنده . يقال : إنما مال فلان أوراع أي صغار ، وقيل : هو الصغير الضعيف من المال وغيره ، والجمع أوراع ، والأنثى من كل ذلك ورعة ، وقد ورع ، بالضم ، يورع ورعا ، بالضم ساكنة الراء ، ووروعا وورعة ووراعة ووراعا وورع ، بكسر الراء ، يرع ورعا ; حكاها ثعلب عن يعقوب ، ووراعة ، وأرى يرع ، بالفتح لغة كيدع ، وتورع كل ذلك إذا جبن أو صغر ، والورع : الضعيف في رأيه وعقله وبدنه ; وقوله أنشده ثعلب :


                                                          رعة الأحمق يرضى ما صنع

                                                          فسره فقال : رعة الأحمق حالته التي يرضى بها . وحكى ابن دريد : رجل ورع بين الوروعة ; ويشهد بصحة قوله قول الراجز :


                                                          لا هيبان قلبه منان     ولا نخيب ورع جبان

                                                          قال : وهذه كلها من صفات الجبان . ويقال : الورع على العموم الضعيف من المال وغيره . وورعه عن الشيء توريعا : كفه . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : ورع اللص ولا تراعه ; فسره ثعلب فقال : يقول إذا شعرت به ورأيته في منزلك فادفعه واكففه عن أخذ متاعك ، وقوله : ولا تراعه أي لا تشهد عليه ، وقيل : معناه رده بتعرض له أو تنبيه ولا تنتظر ما يكون من أمره . وكل شيء تنتظره فأنت تراعيه وترعاه ، ومنه تقول : هو يرعى الشمس أي ينتظر وجوبها ، قال : والشاعر يرعى النجوم . وقال أبو عبيد : ادفعه واكفف بما استطعت ولا تنتظر فيه شيئا . وكل شيء كففته فقد ورعته ; وقال أبو زبيد :


                                                          وورعت ما يكني الوجوه رعاية     ليحضر خير أو ليقصر منكر

                                                          يقول : ورعت عنكم ما يكني وجوهكم ، تمنن بذلك عليهم . وفي حديث عمر أيضا أنه قال للسائب : ورع عني في الدرهم والدرهمين أي كف عني الخصوم بأن تقضي بينهم وتنوب عني في ذلك ، وفي حديثه الآخر : وإذا أشفى ورع أي إذا أشرف على معصية كف . وأورعه أيضا : لغة في ورعه ; عن ابن الأعرابي ، والأولى أعلى .

                                                          وورع الإبل عن الحوض : ردها فارتدت ; قال الراعي :


                                                          وقال الذي يرجو العلالة ورعوا     عن الماء لا يطرق وهن طوارقه

                                                          وورع الفرس : حبسه بلجامه . وورع بينهما وأورع : حجز . والتوريع : الكف والمنع ; وقال أبو دواد :


                                                          فبينا نورعه باللجام     نريد به قنصا أو غوارا

                                                          أي نكفه . ومنه الورع التحرج . وما ورع أن فعل كذا وكذا أي ما كذب . والموارعة : المناطقة والمكالمة . ووارعه : ناطقه . وفي الحديث : كان أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - يوارعانه ، يعني عليا - رضي الله عنه - أي يستشيرانه ; هو من المناطقة والمكالمة ; قال حسان :


                                                          نشدت بني النجار أفعال والدي     إذا العان لم يوجد له من يوارعه

                                                          ويروى : يوازعه . ومورع ووريعة : اسمان . والوريعة : اسم فرس مالك بن نويرة ; وأنشد المازني في الوريعة :


                                                          ورد خليلنا بعطاء صدق     وأعقبه الوريعة من نصاب

                                                          وقال : الوريعة اسم فرس ، قال : ونصاب اسم فرس كان لمالك بن نويرة ، وإنما يريد أعقبه الوريعة من نسل نصاب . والوريعة : موضع ; قال جرير :


                                                          أحقا رأيت الظاعنين تحملوا     من الجزع أو واري الوديعة ذي الأثل

                                                          وقيل : هو واد معروف فيه شجر كثير ; قال الراعي يذكر الهوادج :


                                                          يخيلن من أثل الوريعة وانتحى     لها القين يعقوب بفأس ومبرد

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية