الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وري

                                                          وري : الوري : قيح يكون في الجوف ، وقيل : الوري قرح شديد ، يقاء منه القيح والدم . وحكى اللحياني عن العرب : ما له وراه الله ، أي رماه الله بذلك الداء ، قال : والعرب تقول للبغيض إذا سعل : وريا وقحابا ، وللحبيب إذا عطس : رعيا وشبابا . وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعرا ; قال الأصمعي قوله : حتى يريه هو من الوري على مثال الرمي ، يقال منه : رجل موري ، غير مهموز ، وهو أن يدوى جوفه ; وأنشد :


                                                          قالت له وريا إذا تنحنحا

                                                          تدعو عليه بالوري . ويقال : ورى الجرح سائره تورية أصابه الوري ; وقال الفراء : هو الورى ، بفتح الراء ; وقال ثعلب : هو بالسكون المصدر ، وبالفتح الاسم ; وقال الجوهري : ورى القيح جوفه يريه وريا أكله ، وقال قوم : معناه حتى يصيب رئته ، وأنكره غيرهم ; لأن الرئة مهموزة ، فإذا بنيت منه فعلا قلت : رآه يرآه فهو مرئي . وقال الأزهري : إن الرئة أصلها من ورى وهي محذوفة منه . يقال : وريت الرجل فهو موري إذا أصبت رئته ، قال : والمشهور في الرواية الهمز ; وأنشد الأصمعي للعجاج يصف الجراحات :


                                                          بين الطراقين ويفلين الشعر     عن قلب ضجم توري من سبر

                                                          كأنه يعدي من عظمه ونفور النفس منه ، يقول : إن سبرها إنسان أصابه منه الوري من شدتها ، وقال أبو عبيدة في الوري مثله إلا أنه قال : هو أن يأكل القيح جوفه ; وقال عبد بني الحسحاس يذكر النساء :

                                                          [ ص: 200 ]

                                                          وراهن ربي مثل ما قد ورينني     وأحمى على أكبادهن المكاويا

                                                          وقال ابن جبلة : سمعت ابن الأعرابي يقول في قوله توري من سبر ، قال : معنى توري تدفع ، يقول : لا يرى فيه علاجا من هولها فيمنعه ذلك من دوائها ; ومنه قول الفرزدق :


                                                          فلو كنت صلب العود أو ذا حفيظة     لوريت عن مولاك والليل مظلم

                                                          يقول : نصرته ودفعت عنه ، وتقول منه : ر يا رجل ، وريا للاثنين ، وروا للجماعة ، وللمرأة ري ، وهي ياء ضمير المؤنث مثل قومي واقعدي ، وللمرأتين : ريا ، وللنسوة : رين ، والاسم الورى ، بالتحريك . ووريته وريا : أصبت رئته ، والرئة محذوفة من ورى . والوارية سائصة داء يأخذ في الرئة ، يأخذ منه السعال فيقتل صاحبه ، قال : وليسا من لفظ الرئة . ووراه الداء : أصابه . ويقال : وري الرجل فهو مورو ، وبعضهم يقول موري . وقولهم : به الورى وحمى خيبرا وشر ما يرى فإنه خيسرى ، إنما قالوا الورى على الإتباع ، وقيل : إنما هو بفيه البرى أي التراب ; وأنشد ابن الأعرابي :


                                                          هلم إلى أمية إن فيها     شفاء الواريات من الغليل

                                                          وعم بها فقال : هي الأدواء . التهذيب : الورى داء يصيب الرجل والبعير في أجوافهما ، مقصور يكتب بالياء ، يقال : سلط الله عليه الورى ، وحمى خيبرا ، وشر ما يرى ، فإنه خيسرى . وخيسرى : فيعلى من الخسران ، ورواه ابن دريد خنسرى بالنون من الخناسير ، وهي الدواهي . قال الأصمعي : وأبو عمرو لا يعرف الورى من الداء ، بفتح الراء ، إنما هو الوري بإسكان الراء ، فصرف إلى الورى . وقال أبو العباس : الوري المصدر ، والورى بفتح الراء الاسم . التهذيب : الورى شرق يقع في قصبة الرئتين فيقتله . أبو زيد : رجل موري وهو داء يأخذ الرجل فيسعل ، يأخذه في قصب رئته . وورت الإبل وريا : سمنت فكثر شحمها ونقيها وأوراها السمن ; وأنشد أبو حنيفة :


                                                          وكانت كناز اللحم أورى عظامها     بوهبين آثار العهاد البواكر

                                                          والواري : الشحم السمين ، صفة غالبة ، وهو الوري . والواري : السمين من كل شيء ; وأنشد شمر لبعض الشعراء يصف قدرا :


                                                          ودهماء في عرض الرواق مناخة     كثيرة وذر اللحم وارية القلب

                                                          قال : قلب وار إذا تغشى بالشحم والسمن . ولحم وري على فعيل ، أي سمين . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : أن امرأة شكت إليه كدوحا في ذراعيها من احتراش الضباب ، فقال : لو أخذت الضب فوريته ثم دعوت بمكتفة فثملته كان أشبع ; وريته أي روغته في الدهن ، من قولك لحم وار أي سمين . وفي حديث الصدقة : وفي الشوي الوري مسنة ، فعيل بمعنى فاعل . وورت النار تري وريا ورية حسنة ، ووري الزند ، يري وورى يري ويورى وريا ووريا ورية ، وهو وار ووري : اتقد ; قال الشاعر :


                                                          وجدنا زند جدهم وريا     وزند بني هوازن غير واري

                                                          وأنشد أبو الهيثم :


                                                          أم الهنينين من زند لها واري

                                                          وأوريته أنا ، وكذلك وريته تورية ; وأنشد ابن بري لشاعر :


                                                          وأطف حديث السوء بالصمت إنه     متى تور نارا للعتاب تأججا

                                                          ويقال : وري المخ يري إذا اكتنز . وناقة وارية أي سمينة ; قال العجاج :


                                                          يأكلن من لحم السديف الواري

                                                          كذا أورده الجوهري ; قال ابن بري : والذي في شعر العجاج :


                                                          وانهم هاموم السديف الواري     عن جرز منه وجوز عاري

                                                          وقالوا : هو أوراهم زندا ; يضرب مثلا لنجاحه وظفره . يقال : إنه لواري الزناد وواري الزند ووري الزند إذا رام أمرا أنجح فيه وأدرك ما طلب . أبو الهيثم : أوريت الزناد فورت تري وريا ورية ; قال : وقد يقال وريت تورى وريا ورية وأوريتها أنا أثقبتها . وقال أبو حنيفة : ورت الزناد إذا خرجت نارها ، ووريت صارت وارية ، وقال مرة : الرية كل ما أوريت به النار من خرقة أو عطبة أو قشرة ، وحكي : ابغني رية أري بها ناري ، قال : وهذا كله على القلب عن ورية وإن لم نسمع بورية . وفي حديث تزويج خديجة - رضي الله عنها - : نفخت فأوريت ; ورى الزند : خرجت ناره وأوراه غيره إذا استخرج ناره . والزند الواري : الذي تظهر ناره سريعا . قال الحربي : كان ينبغي أن يقول قدحت فأوريت . وفي حديث علي - كرم الله وجهه - : حتى أورى قبسا لقابس أي أظهر نورا من الحق لطالب الهدى . وفي حديث فتح أصبهان : تبعث إلى أهل البصرة فيوروا ; قال : وهو من وريت النار تورية إذا استخرجتها . قال : واستوريت فلانا رأيا سألته أن يستخرج لي رأيا ، قال : ويحتمل أن يكون من التورية عن الشيء ، وهو الكناية عنه ، وفلان يستوري زناد الضلالة . وأوريت صدره عليه : أوقدته وأحقدته . ورية النار ، مخففة : ما تورى به عودا كان أو غيره . أبو الهيثم : الرية من قولك ورت النار تري وريا ورية مثل وعت تعي وعيا وعية ، ووديته أديه وديا ودية ، قال : وأوريت النار أوريها إيراء فورت تري ووريت تري ، ويقال : وريت تورى ; وقال الطرماح يصف أرضا جدبة لا نبت فيها :


                                                          كظهر اللأى لو تبتغي رية بها     لعيت وشقت في بطون الشواجن

                                                          أي هذه الصحراء كظهر بقرة وحشية ليس فيها أكمة ولا وهدة ، وقال ابن بزرج : ما تثقب به النار ; قال أبو منصور : جعلها ثقوبا من حثى أو روث أو ضرمة أو حشيشة يابسة ; التهذيب : وأما قول لبيد :


                                                          تسلب الكانس لم يور بها     شعبة الساق إذا الظل عقل

                                                          روي : لم يور بها ، ولم يورأ بها ، ولم يوأر بها ، فمن رواه لم يور بها فمعناه لم يشعر بها ، وكذلك لم يورأ بها ، قال : وريته وأورأته إذا [ ص: 201 ] أعلمته ، وأصله من ورى الزند إذا ظهرت نارها كأن ناقته لم تضئ للظبي الكانس ، ولم تبن له فيشعر بها لسرعتها حتى انتهت إلى كناسه فند منها جافلا ، قال : وأنشدني بعضهم :


                                                          دعاني فلم أورأ به فأجبته     فمد بثدي بيننا غير أقطعا

                                                          أي دعاني ولم أشعر به ، ومن رواه ولم يوأر بها ، فهي من أوار الشمس ، وهو شدة حرها ، فقلبه وهو من التنفير . والتوراة عند أبي العباس تفعلة ، وعند الفارسي فوعلة ، قال : لقلة تفعلة في الأسماء وكثرة فوعلة . ووريت الشيء وواريته : أخفيته . وتوارى هو : استتر . الفراء في كتابه في المصادر : التوراة من الفعل التفعلة ; كأنها أخذت من أوريت الزناد ووريتها ، فتكون تفعلة في لغة طيئ ، لأنهم يقولون في التوصية توصاة ، وللجارية جاراة ، وللناصية ناصاة ، وقال أبو إسحاق في التوراة : قال البصريون توراة أصلها فوعلة ، وفوعلة كثير في الكلام مثل الحوصلة والدوخلة ، وكل ما قلت فيه فوعلت فمصدره فوعلة ، فالأصل عندهم ووراة ، ولكن الواو الأولى قلبت تاء كما قلبت في تولج ، وإنما هو فوعل من ولجت ، ومثله كثير . واستوريت فلانا رأيا أي طلبت إليه أن ينظر في أمري فيستخرج رأيا أمضي عليه . ووريت الخبر : جعلته ورائي وسترته ; عن كراع ، وليس من لفظ وراء ; لأن لام وراء همزة . وفي الحديث : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد سفرا ورى بغيره أي ستره وكنى عنه وأوهم أنه يريد غيره ، وأصله من الوراء أي ألقى البيان وراء ظهره . ويقال : واريته ووريته بمعنى واحد . وفي التنزيل العزيز : ما ووري عنهما ; أي ستر على فوعل ، وقرئ : وري عنهما ، بمعناه : ووريت الخبر أوريه تورية إذا سترته وأظهرت غيره ، كأنه مأخوذ من وراء الإنسان لأنه إذا قال وريته فكأنه يجعله وراءه حيث لا يظهر . والوري : الضيف . وفلان وري فلان أي جاره الذي تواريه بيوته وتستره ; قال الأعشى :


                                                          وتشد عقد ورينا     عقد الحبجر على الغفاره

                                                          قال : سمي وريا ; لأن بيته يواريه . ووريت عنه : أردته وأظهرت غيره ، وأريت لغة ، وهو مذكور في موضعه . والتورية : الستر . والترية : اسم ما تراه الحائض عند الاغتسال ، وهو الشيء الخفي اليسير ، وهو أقل من الصفرة والكدرة ، وهو عند أبي علي فعيلة من هذا ; لأنها كأن الحيض وارى بها عن منظره العين ، قال : ويجوز أن يكون من ورى الزند إذا أخرج النار ، كأن الطهر أخرجها وأظهرها بعدما كان أخفاها الحيض . وورى عنه بصره ودفع عنه ; وأنشد ابن الأعرابي :


                                                          وكنتم كأم برة ظعن ابنها     إليها فما ورت عليه بساعد

                                                          ومسك وار : جيد رفيع ; وأنشد ابن الأعرابي :


                                                          تعل بالجادي والمسك الوار

                                                          والورى : الخلق . تقول العرب : ما أدري أي الورى ، هو أي أي الخلق هو ; قال ذو الرمة :


                                                          وكائن ذعرنا من مهاة ورامح     بلاد الورى ليست له ببلاد

                                                          قال ابن بري : قال ابن جني لا يستعمل الورى إلا في النفي ، وإنما سوغ لذي الرمة استعماله واجبا لأنه في المعنى منفي كأنه قال ليست بلاد الورى له ببلاد . الجوهري : ووراء بمعنى خلف ، وقد يكون بمعنى قدام ، وهو من الأضداد . قال الأخفش : لقيته من وراء فترفعه على الغاية إذا كان غير مضاف تجعله اسما ، وهو غير متمكن ، كقولك من قبل ومن بعد ; وأنشد لعتي بن مالك العقيلي :


                                                          أبا مدرك إن الهوى يوم عاقل     دعاني وما لي أن أجيب عزاء
                                                          وإن مروري جانبا ثم لا أرى     أجيبك إلا معرضا لجفاء
                                                          وإن اجتماع الناس عندي وعندها     إذا جئت يوما زائرا لبلاء
                                                          إذا أنا لم أومن عليك ولم يكن     لقاؤك إلا من وراء وراء

                                                          وقولهم : وراءك أوسع ، نصب بالفعل المقدر وهو تأخر . وقوله - عز وجل - : وكان وراءهم ملك ; أي أمامهم ; قال ابن بري : ومثله قول سوار بن المضرب :


                                                          أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي     وقومي تميم والفلاة ورائيا

                                                          وقول لبيد :


                                                          أليس ورائي إن تراخت منيتي     لزوم العصا تثنى عليها الأصابع

                                                          وقال مرقش :


                                                          ليس على طول الحياة ندم     ومن وراء المرء ما يعلم

                                                          أي قدامه الشيب والهرم ; وقال جرير :


                                                          أتوعدني وراء بني رباح     كذبت لتقصرن يداك دوني

                                                          قال : وقد جاءت ورا ، مقصورة في الشعر ; قال الشاعر :


                                                          تقاذفه الرواد حتى رموا به     ورا طرف الشام البلاد الأباعدا

                                                          أراد وراء ; وتصغيرها وريئة ، بالهاء ، وهي شاذة . وفي حديث الشفاعة : يقول إبراهيم إني كنت خليلا من وراء وراء ; هكذا يروى مبنيا على الفتح ، أي من خلف حجاب ; ومنه حديث معقل : أنه حدث ابن زياد بحديث فقال : أشيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو من وراء وراء ؟ أي ممن جاء خلفه وبعده . والوراء أيضا : ولد الولد . وفي حديث الشعبي : أنه قال لرجل رأى معه صبيا هذا ابنك ؟ قال : ابن ابني ; قال : هو ابنك من الوراء ; يقال لولد الولد : الوراء ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية