الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

4066 - إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي بن أحمد أبو القاسم الطلحي :

من أهل أصبهان ، ولد سنة تسع وخمسين سافر البلاد وسمع الكثير [ونسخ ] وأملى بجامع أصبهان قريبا من ثلاثة آلاف مجلس ، وهو إمام في الحديث والتفسير واللغة ، حافظ متقن دين ، توفي في ليلة عيد الأضحى من هذه السنة بأصبهان .

أنبأنا شيخنا أبو الفضل بن ناصر ، قال حدثني أبو جعفر محمد بن أبي المرجي الأصبهاني ، وهو ابن أخي إسماعيل الحافظ ، قال : حدثني أحمد الأسواري ، وكان ثقة ، وهو تولى غسل إسماعيل بن محمد الحافظ ، أنه أراد أن ينحي الخرقة عن سوأته وقت الغسل فجذبها الشيخ إسماعيل من يده [وغطى بها فرجه ] فقال الغاسل :

أحياة بعد موت ؟ ! .

[ ص: 11 ] 4067 - عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد بن الحسن بن مبارك ، أبو منصور القزاز المعروف بابن زريق :

كان من أولاد المحدثين ، سمعه أبوه وعمه الكثير ، وكان صحيح السماع ، وسمع شيخنا أبو منصور من ابن المهتدي ، وابن وشاح ، وأبي الغنائم ابن الدجاجي ، وجابر بن ياسين ، والخطيب ، وأبي جعفر ابن المسلمة ، وأبي محمد الصريفيني ، وأبي بكر الخياط ، وأبي الحسين بن النقور ، وغيرهم ، وكان ساكتا قليل الكلام ، خيرا سليما ، صبورا على العزلة ، حسن الأخلاق .

وتوفي في شوال هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب .

4068 - عبد الجبار بن أحمد بن محمد بن عبد الجبار ، أبو منصور ابن توبة أخي المقدم :

ولد سنة اثنتين وستين ، وسمع أبا الحسين ابن النقور ، وأبا محمد الصريفيني ، وأبا منصور ابن العكبري ، وأبا نصر الزينبي ، وصحب أبا إسحاق الشيرازي ، وكان ثقة دينا صدوقا مليح الشيبة ، قيما بكتاب الله .

توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن بمقبرة باب أبرز .

4069 - عطاء بن أبي سعد بن عطاء بن أبي عياض ، أبو محمد الفقاعي الثعلبي :

من أهل هراة ، ولد سنة أربع وأربعين وأربعمائة ، وسمع ببغداد من أبي القاسم ابن البسري ، وأبي نصر الزينبي ، وطراد وغيرهم ، وكان من المريدين لعبد الله بن محمد [ ص: 12 ] الأنصاري ، فضرب المثل به في إرادته له وخدمته إياه ، ولما خرج عبد الله الأنصاري إلى بلخ [جرت لعطاء مع النظام العجائب ، وكان النظام يحتمله ] وخرج النظام إلى غزو الروم ، فكان يعدو معه فوقع أحد نعليه فما التفت إليه ، وخلع الآخر وعدا فأمسك النظام الدابة ، وقال : أين نعلاك ؟ قال : وقع أحدهما فما وقفت خشية أن تفوتني ، فقال : فلم خلعت الآخر ؟ قال : لأن شيخي الأنصاري أخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يمشي الإنسان في نعل واحدة . فأعجب النظام ذلك ، وقال : اكتب إن شاء الله حتى يرجع شيخك إلى هراة ، اركب بعض الجنائب ، فقال : شيخي في المحنة وأنا أركب بعض الجنائب ؟ لا أفعل ذلك ، فعرض عليه مالا فلم يقبل . وتحرك نعل فرس النظام ، فنزل الركابي ليقلعه فوقف النظام الفرس فقعد عطاء قريبا منه ، وجعل يقشر جلد رجله ويرمي بها ، وقال للنظام : ارم أنت نعل الخيل ونرمي نحن جلد الرجل ونبصر ما يعمل القضاء ولمن تكون العاقبة ، وقال له النظام : إلى كم تقيم ها هنا ؟ أما لك أم تبرها ؟ فقال : نحن نحسن نقرأ ، قال : وأي شيء مقصودك ؟ فأخرج كتابا من أمه ، وفيه : "يا بني إن أردت رضا الله ورضا أمك فلا ترجع إلى هراة ما لم يرجع شيخك الأنصاري " .

وآل الأمر إلى أن حبس ثم أخرج فقدم إلى خشبة ليصلب ، فوصل في الحال من السلطان من أمر بتركه ، فلما أطلق رجع إلى التظلم والتشنيع . وتوفي في هذه السنة .

4070 - محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الجبار بن توبة ، أبو الحسين الأسدي العكبري :

ولد سنة خمس وخمسين وأربعمائة ، وقرأ القرآن بروايات ، وكان حسن التلاوة ، وسمع الحديث من [ أبي الغنائم ] ابن المأمون ، وأبي جعفر ابن المسلمة ، وأبي محمد [ ص: 13 ] الصريفيني ، وأبي الحسين ابن النقور ، وأبي بكر الخطيب ، وغيرهم ، وقرأ شيئا من الفقه على أبي إسحاق ، وكان له سمت ووقار وبهاء .

توفي يوم الثلاثاء سابع عشر صفر من هذه السنة ، ودفن بمقبرة باب أبرز .

4071 - محمد بن عبد الباقي بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الربيع بن ثابت بن وهب بن مشجعة بن الحارث بن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري أحد الثلاثة الذي تيب عليهم في قوله تعالى : وعلى الثلاثة الذين خلفوا أبو بكر بن أبي طاهر ويعرف أبوه بصهر هبة الله البزار .

ولد بالبصرة ونشأ بها وكنا نسأله عن مولده ، فقال : أقبلوا على شأنكم فإني سألت القاضي أبا المظفر هناد بن إبراهيم النسفي عن سنه ، فقال : أقبل على شأنك ، فإني سألت أبا الفضل محمد بن أحمد الجارودي عن سنه ، فقال لي : أقبل على شأنك ، فإني سألت أبا بكر محمد بن علي بن زحر المنقري عن سنه فقال : أقبل على شأنك ، فإني سألت أبا أيوب الهاشمي عن سنه ، فقال لي : أقبل على شأنك ، فإني سألت أبا إسماعيل الترمذي عن سنه ، فقال لي : أقبل على شأنك ، فإني سألت البويطي عن سنه فقال لي : أقبل على شأنك ، فإني سألت الشافعي عن سنه فقال لي : أقبل على شأنك ، فإني سألت مالك بن أنس عن سنه فقال لي : أقبل على شأنك ، ثم قال لي : ليس من المروءة أن يخبر الرجل عن سنه .

قال لنا شيخنا محمد بن عبد الباقي ، ووجدت في طريق آخر قيل له : قال : لأنه إن كان صغيرا استحقروه وإن كان كبيرا استهرموه ، ثم قال لنا : مولدي في يوم الثلاثاء عاشر صفر سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة ، وذكر لنا أن منجمين حضرا حين ولدت فأجمعا أن العمر اثنتان وخمسون سنة ، قال : وها أنا قد جاوزت التسعين ، وأنشدني :


احفظ لسانك لا تبح بثلاثة سن ومال ما استطعت ومذهب

[ ص: 14 ]

فعلى الثلاثة تبتلى بثلاثة     بمموه ومكفر ومكذب

وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين ، وأول سماعه الحديث من أبي إسحاق البرمكي في رجب سنة خمس وأربعين حضورا وسمع من أبي الحسن الباقلاني [سنة ست وأربعين ، وكان آخر من حدث في الدنيا عن أبي إسحاق البرمكي ، وأخيه أبي الحسن علي بن عمر ، والقاضي أبي الطيب الطبري ، وأبي طالب العشاري ، وأبي الحسن علي بن إبراهيم الباقلاوي ] ، وأبي محمد الجوهري ، وأبي القاسم عمر بن الحسين الخفاف ، وأبي الحسين محمد بن أحمد بن حسنون ، وأبي علي الحسن بن غالب المنقري ، وأبي الحسين بن الآبنوسي ، وأبي طالب بن أبي طالب المكي ، وأبي الفضل هبة الله ابن المأمون ، فهؤلاء تفرد بالرواية عنهم ، وقد سمع خلقا كثيرا يطول ذكرهم وكانت له إجازة من أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي ، وأبي الفتح بن شيطا ، وأبي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي ، وتفقه على القاضي أبي يعلى بن الفراء ، وشهد عند قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني ، وعمر حتى ألحق الصغار بالكبار ، وكان حسن الصورة حلو المنطق مليح المعاشرة ، وكان يصلي بجامع المنصور فيجيء في بعض الأيام فيقف وراء مجلسي وأنا على منبر الوعظ فيسلم علي ، وأملي الحديث في جامع القصر فاستملى شيخنا أبو الفضل بن ناصر ، وقرأت عليه الكثير ، وكان فهما ثبتا ، حجة متقنا في علوم كثيرة ، متفردا في علم الفرائض ، وقال يوما : صليت الجمعة بنهر معلى ثم جلست أنظر الناس يخرجون من الجامع فما رأيت أحدا أشتهي أن أكون مثله ، وكان يقول : ما أعلم أني ضيعت من عمري ساعة في لهو أو لعب ، وما من علم إلا وقد حصلت بعضه أو كله ، وكان قد سافر فوقع في أيدي الروم فبقي في أسرهم سنة ونصفا ، وقيدوه وجعلوا الغل في عنقه وأرادوا أن ينطق بكلمة الكفر فلم يفعل ، وتعلم بينهم الخط الرومي ، وسمعته يقول يجب على المعلم أن لا يعنف وعلى المتعلم أن لا يأنف . وسمعته يقول : كن على حذر من الكريم إذا أهنته ، ومن اللئيم إذا أكرمته ، ومن العالم إذا أحرجته ، ومن الأحمق إذا مازحته ، ومن الفاجر إذا عاشرته . وسمعته يقول : من خدم المحابر خدمته المنابر .

[ ص: 15 ] وأنشدني لنفسه :


بغداد دار لأهل المال طيبة     وللمفاليس دار الضنك والضيق
ظللت حيران أمشي في أزقتها     كأنني مصحف في بيت زنديق

وأنشدني [لنفسه ] :


لي مدة لا بد أبلغها     فإذا انقضت وتصرمت مت
لو عاندتني الأسد ضارية     ما ضرني ما لم يجي الوقت



ورأيته بعد ثلاث وتسعين صحيح الحواس لم يتغير منها شيء ، ثابت العقل ، يقرأ الخط الدقيق من بعد ، ودخلنا عليه قبل موته بمديدة ، فقال : قد نزلت في أذني مادة وما أسمع ، فقرأ علينا من حديثه وبقي على هذا نحوا من شهرين ، ثم زال ذلك ، وعاد إلى الصحة ، ثم مرض فأوصى أن يعمق قبره زيادة على ما جرت به العادة ، وقال : لأنه إذا حفر زيادة على ما جرت به العادة لم يصلوا إلي ، وأن يكتب على قبره : قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون ، ولم يفتر عن قراءة القرآن إلى أن توفي .

وتوفي يوم الأربعاء قبل الظهر ثاني رجب هذه السنة ، وصلي عليه بجامع المنصور ، وحضر قاضي القضاة الزينبي ، ووجوه الناس ، وشيعناه إلى مقبرة باب حرب ، ودفن إلى جانب أبيه قريبا من قبر بشر الحافي .

4072 - يوسف بن أيوب بن يوسف بن الحسن بن وهرة ، أبو يعقوب الهمداني :

من أهل بوزنجرد قرية من قرى همذان مما يلي الري ، نزيل مرو ، جاء إلى بغداد [ ص: 16 ] بعد الستين وأربعمائة ، فتفقه على الشيخ أبي إسحاق حتى برع في الفقه وعلم النظر ، وسمع أبا الحسين ابن المهتدي ، وأبا الغنائم ، وأبا جعفر ابن المسلمة ، وأبا بكر الخطيب ، والصريفيني وأبا بكر ابن النقور وغيرهم ، ورجع إلى بلده ، وتشاغل بعلم المعاملة وتربية المريدين ، فاجتمع في رباطه بمرو جماعة كثيرة من المنقطعين ، وقال : دخلت جبل زر لزيارة الشيخ عبد الله الجوشني - وكان شيخه - قال : فوجدت ذلك الجبل معمورا بأولياء الله تعالى كثير المياه كثير الأشجار ، وكل عين رأسها واحد من الرجال مشتغل بنفسه ، صاحب مجاهدة ، فكنت أدور عليهم وأزورهم ولا أعلم في ذلك حجرا لم تصبه دمعتي ، وقدم إلى بغداد سنة ست وخمسمائة ، فوعظ بها فظهر له قبول تام ، وقام إليه رجل يعرف بابن السقاء فآذاه وجرت له في ذلك المجلس قصة قد ذكرتها في سنة ست ، ثم عاد إلى مرو ثم خرج إلى هراة ، ثم رجع إلى مرو ، [ثم عاد إلى هراة ، فلما رجع إلى مرو ] وتوفي بقرية قريبة من هراة يوم الاثنين الثاني والعشرين من ربيع الأول من هذه السنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية