الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر رجوع علي إلى الكوفة

ولما فرغ علي من أهل النهر حمد الله وأثنى عليه وقال : إن الله قد أحسن بكم وأعز نصركم ، فتوجهوا من فوركم هذا إلى عدوكم . قالوا : يا أمير المؤمنين نفدت نبالنا ، [ ص: 698 ] وكلت سيوفنا ، ونصلت أسنة رماحنا ( وعاد أكثرها قصدا ) ، فارجع إلى مصرنا فلنستعد ، ولعل أمير المؤمنين يزيد في عدتنا ، فإنه أقوى لنا على عدونا . وكان الذي تولى كلامه الأشعث بن قيس ، فأقبل حتى نزل النخيلة ، فأمر الناس أن يلزموا عسكرهم ، ويوطنوا على الجهاد أنفسهم ، وأن يقلوا زيارة أبنائهم ونسائهم حتى يسيروا إلى عدوهم . فأقاموا فيهم أياما ثم تسللوا من معسكرهم فدخلوا إلا رجالا من وجوه الناس ، وترك المعسكر خاليا ، فلما رأى ذلك دخل الكوفة وانكسر عليه رأيه في المسير وقال لهم أيضا : أيها الناس استعدوا للمسير إلى عدوكم ومن في جهاده القربة إلى الله - عز وجل - ودرك الوسيلة عنده ، حيارى من الحق جفاة عن الكتاب ، يعمهون في طغيانهم ، فأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن ورباط الخيل ، وتوكلوا على الله ، وكفى بالله وكيلا ، وكفى بالله نصيرا . فلم ينفروا ولا تيسروا . فتركهم أياما حتى إذا أيس من أن يفعلوا دعا رؤساءهم ووجوههم ، فسألهم عن رأيهم ، وما الذي يبطئ بهم ، فمنهم المعتل ومنهم المتكره ، ( وأقلهم من نشط ) .

فقام فيهم فقال : عباد الله ، ما بالكم إذا أمرتكم أن تنفروا ( اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة ) وبالذل والهوان من العز خلفا ؟ وكلما ناديتكم إلى الجهاد دارت أعينكم ، كأنكم من الموت في سكرة ، وكأن قلوبكم مألوسة وأنتم لا تعقلون ، فكأن أبصاركم كمه وأنتم لا تبصرون ! لله أنتم ! ما أنتم إلا أسد الشرى في الدعة ، وثعالب رواغة حين تدعون إلى البأس . ما أنتم ( لي بثقة سجيس الليالي . ما أنتم ) بركب يصال به . لعمر الله لبئس حشاش الحرب أنتم ! إنكم تكادون ولا تكيدون ، وتتنقص أطرافكم وأنتم لا تتحاشون ، ولا ينام عنكم وأنتم في غفلة ساهون . ثم قال : أما بعد ، فإن لي عليكم حقا ، وإن لكم علي حقا ، فأما حقكم علي [ ص: 699 ] فالنصيحة ( لكم ما صحبتكم ) ، وتوفير فيئكم عليكم ، وتعليمكم كي لا تجهلوا ، ( وتأديبكم كي تعلموا ، وأما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة ، والنصح لي في المغيب والمشهد ، والإجابة حين أدعوكم ، والطاعة حين آمركم ، فإن يرد الله بكم خيرا تنزعوا عما أكره ، وترجعوا إلى ما أحب ، فتنالوا ما تطلبون ، وتدركوا ما تأملون ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية