الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            تحقيق : فإن قلت : ما تحرير المعنى في التخصيص بالتسمية ؟ قلت : فيه معان ، أحدها : أن الإسلام اسم للشريعة السمحة السهلة كما قال صلى الله عليه وسلم : بعثت بالحنيفية السمحة ، وقال ابن عباس في قوله تعالى : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) : توسعة الإسلام ووضع الإصر الذي كان على بني إسرائيل ، وشريعة اليهود والنصارى لا سهولة فيها بل هي في غاية المشقة [ ص: 151 ] والثقل كما هو معلوم من قوله تعالى : ( ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ) ، وغير ذلك فلذلك لا تسمى إسلاما .

            المعنى الثاني : أن الإسلام اسم للشريعة المشتملة على فواضل العبادات من الجهاد والحج والوضوء والغسل من الجنابة ونحو ذلك ، وذلك خاص بهذه الأمة لم يكتب على غيرها من الأمم ، وإنما كتب على الأنبياء فقط كما تقدم في أثر وهب : " أعطيتهم من النوافل مثل ما أعطيت الأنبياء ، وافترضت عليهم الفرائض التي افترضت على الأنبياء والرسل " ، فلذلك سميت هذه الأمة مسلمين كما سمي بذلك الأنبياء والرسل ولم يسم غيرها من الأمم ، ويؤيد هذا المعنى ما أخرجه أبو يعلى من حديث علي مرفوعا : " الإسلام ثمانية أسهم ، شهادة أن لا إله إلا الله والصلاة والزكاة والحج والجهاد وصوم رمضان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " وما أخرجه ابن جرير في تفسيره ، والحاكم في المستدرك عن ابن عباس قال : " ما ابتلي أحد بهذا الدين فقام به كله إلا إبراهيم قال تعالى : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ) قيل ما الكلمات ؟ قال : الإسلام ثلاثون سهما ، عشر في قوله : ( التائبون العابدون ) إلى آخر الآية ، وعشر في أول سورة : ( قد أفلح ) ، و ( سأل سائل ) ، وعشر في الأحزاب ( إن المسلمين والمسلمات ) إلى آخر الآية ، فأتمهن كلهن فكتب له براءة ، قال تعالى : ( وإبراهيم الذي وفى ) .

            وأخرج الحاكم من وجه آخر عن ابن عباس قال : سهام الإسلام ثلاثون سهما لم يتمها أحد إلا إبراهيم ومحمد عليهما السلام ، فعرف بذلك أن الإسلام اسم لمجموع هذه السهام ، ولم تشرع كلها إلا في هذه الملة وملة إبراهيم ، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما آية من القرآن باتباع ملة إبراهيم وهي الحنيفية .

            المعنى الثالث : أن الإسلام مدار معناه على الانقياد والإذعان ولم تذعن أمة لنبيها كما أذعنت هذه الأمة ، فلذلك سموا مسلمين ، وكانت الأنبياء تذعن للرسل الذين يأتون بالشرائع كما تقدم في عبارة الراغب فسموا مسلمين ، وكانت الأمم كثيرة الاستعصاء على أنبيائهم كما دلت على ذلك الأحاديث والآثار ، منها : حديث : إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، وقد قال المقداد يوم بدر : لا نقول كما قال بنو [ ص: 152 ] إسرائيل لموسى : ( فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون والله لو سرت بنا إلى برك الغماد لاتبعناك ، وفي لفظ : لو خضت بنا البحر لخضناه معك ، فلذلك اختصت هذه الأمة بأن سموا مسلمين من بين سائر الأمم ، وكل ما وقع في عبارة السلف من قولهم : الإسلام دين الأنبياء ونحوه ، فمرادهم به دين الأنبياء وحدهم دون أممهم ; لما تقدم تقريره على حد قوله صلى الله عليه وسلم : هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية