الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 404 ] الثالثة عشرة : في ألفاظ الجرح والتعديل . وقد رتبها ابن أبي حاتم فأحسن . فألفاظ التعديل مراتب : أعلاها : ثقة أو متقن أو ثبت أو حجة ، أو عدل حافظ ، أو ضابط .

        الثانية : صدوق ، أو محله الصدق أو لا بأس به ، قال ابن أبي حاتم : هو ممن يكتب حديثه وينظر فيه ، وهي المنزلة الثانية وهو كما قال ، لأن هذه العبارة لا تشعر بالضبط ، فيعتبر حديثه على ما تقدم . وعن يحيى بن معين : إذا قلت لا بأس به فهو ثقة ، ولا يقاوم قوله عن نفسه نقل ابن أبي حاتم عن أهل الفن .

        الثالثة : شيخ ، فيكتب وينظر .

        ( الرابعة ) : صالح الحديث : يكتب للاعتبار . وأما ألفاظ الجرح فمراتب ، فإذا قالوا : لين الحديث كتب حديثه وينظر اعتبارا .

        وقال الدارقطني : إذا قلت لين الحديث لم يكن ساقطا ، ولكن مجروحا بشيء لا يسقط عن العدالة ، وقولهم ليس بقوي يكتب حديثه ، وهو دون لين . وإذا قالوا : ضعيف الحديث فدون ليس بقوي ولا يطرح بل يعتبر به . وإذا قالوا : متروك الحديث ، أو واهيه ، أو كذاب ، فهو ساقط لا يكتب حديثه . ومن ألفاظهم : فلان روى عنه الناس ، وسط ، مقارب الحديث ، مضطرب ، لا يحتج به ، مجهول ، لا شيء ، ليس بذلك ، ليس بذاك القوي ، فيه أو في حديثه ضعف ، ما أعلم به بأسا ، ويستدل على معانيها بما تقدم .

        التالي السابق


        ( الثالثة عشرة في ألفاظ الجرح والتعديل ، وقد رتبها ابن أبي حاتم ) في مقدمة كتابه " الجرح والتعديل " ، وفصل طبقات ألفاظهم فيها ( فأحسن ) وأجاد .

        ( فألفاظ التعديل مراتب ) ذكرها المصنف كابن الصلاح تبعا لابن أبي حاتم أربعة ، وجعلها الذهبي والعراقي خمسة ، وشيخ الإسلام ستة ( أعلاها ) بحسب ما ذكره المصنف ( ثقة ، أو متقن ، أو ثبت ، أو حجة ، أو عدل حافظ ، أو ) عدل ( ضابط ) .

        وأما المرتبة التي زادها الذهبي والعراقي فإنها أعلى من هذه ، وهو : ما كرر فيه أحد هذه الألفاظ المذكورة إما بعينه ، كثقة ثقة ، أو لا : كثقة ثبت أو ثقة [ ص: 405 ] حجة أو ثقة حافظ ، والمرتبة التي زادها شيخ الإسلام أعلى من مرتبة التكرير ، وهي : الوصف بأفعل كأوثق الناس وأثبت الناس ، أو نحوه ، كإليه المنتهى في التثبت .

        قلت : ومنه ، لا أحد أثبت منه ، ومن مثل فلان ، وفلان لا يسأل عنه ، ولم أر من ذكر هذه الثلاثة ، وهي في ألفاظهم .

        فالمرتبة التي ذكرها المصنف أعلى ، هي ثالثة في الحقيقة .

        ( الثانية ) من المراتب وهي رابعة بحسب ما ذكرناه ( صدوق ، أو محله الصدق ، أو لا بأس به ) .

        زاد العراقي : أو مأمون ، أو خيار ، أو ليس به بأس .

        ( قال ابن أبي حاتم ) من قيل فيه ذلك ( هو ممن يكتب حديثه وينظر فيه ، وهي المنزلة الثانية ) .

        قال ابن الصلاح ( وهو كما قال ، لأن هذه العبارة لا تشعر بالضبط ، فيعتبر حديثه ) بموافقة الضابطين ( على ما تقدم ) في أوائل هذا النوع .

        ( وعن يحيى بن معين ) أنه قال لأبي خيثمة وقد قال له : إنك تقول : [ ص: 406 ] فلان ليس به بأس ، فلان ضعيف ( إذا قلت ) لك ( لا بأس به فهو ثقة ) وإذا قلت لك : هو ضعيف فليس هو بثقة ، لا يكتب حديثه ، فأشعر باستواء اللفظين .

        قال ابن الصلاح : وهذا ليس فيه حكاية عن غيره من أهل الحديث ، بل نسبته إلى نفسه خاصة ( ولا يقاوم قوله عن نفسه نقل ابن أبي حاتم عن أهل الفن ) .

        قال العراقي : ولم يقل ابن معين : إن قولي ليس به بأس كقولي ثقة ، حتى يلزم منه التسوية ، إنما قال : إن من قال فيه هذا فهو ثقة ، وللثقة مراتب ، فالتعبير بثقة أرفع من التعبير بلا بأس به ، وإن اشتركا في مطلق الثقة .

        ويدل على ذلك أن ابن مهدي قال : حدثنا أبو خلدة فقيل له أكان ثقة ؟ فقال : كان صدوقا وكان مأمونا وكان خيرا ، الثقة شعبة وسفيان .

        وحكى المروذي قال : سألت ابن حنبل : عبد الوهاب بن عطاء ثقة ؟ قال : تدري ما الثقة ؟ إنما الثقة يحيى بن سعيد القطان .

        تنبيه

        جعل الذهبي قولهم : محله الصدق ، مؤخرا عن قولهم صدوق إلى المرتبة التي [ ص: 407 ] تليها ، وتبعه العراقي لأن صدوقا مبالغة في الصدق ، بخلاف محله الصدق ، فإنه دال على أن صاحبها محله ومرتبته مطلق الصدق .

        ( الثالثة ) من المراتب وهي خامسة بحسب ما ذكرنا : ( شيخ ) .

        قال ابن أبي حاتم : ( فيكتب ) حديثه ( وينظر ) فيه ، وزاد العراقي في هذه المرتبة مع قولهم : محله الصدق ، إلى الصدق ما هو ، شيخ وسط ، مكرر ، جيد الحديث ، حسن الحديث .

        وزاد شيخ الإسلام : صدوق سيء الحفظ ، صدوق يهم ، صدوق له أوهام ، صدوق يخطئ ، صدوق تغير بآخرة .

        قال : ويلحق بذلك ، من رمي بنوع بدعة ، كالتشيع والقدر والنصب والإرجاء والتجهم .

        ( الرابعة ) وهي سادسة بحسب ما ذكرنا ( صالح الحديث ) فإنه ( يكتب ) حديثه ( للاعتبار ) .

        وزاد العراقي فيها ، صدوق إن شاء الله ، أرجو أن لا بأس به ، صويلح .

        [ ص: 408 ] وزاد شيخ الإسلام مقبول .

        ( وأما ألفاظ الجرح فمراتب ) أيضا أدناها ما قرب من التعديل ( فإذا قالوا : لين الحديث كتب حديثه وينظر ) فيه ( اعتبارا ، وقال الدارقطني ) لما قال له حمزة بن يوسف السهمي : إذا قلت فلان لين ، أيش تريد ؟ ( إذا قلت لين ) الحديث ( لا يكون ساقطا ) متروك الحديث ( ولكن مجروحا بشيء لا يسقط عن العدالة ) .

        ومن هذه المرتبة ما ذكره العراقي : فيه لين ، فيه مقال ، ضعف ، تعرف وتنكر ، وليس بذاك ، ليس بالمتين ، ليس بحجة ليس بعمدة ، ليس بمرضي للضعف ما هو ، فيه خلف ، تكلموا فيه ، مطعون فيه ، سيء الحفظ .

        ( وقولهم ليس بقوي يكتب ) أيضا ( حديثه ) للاعتبار ( وهو دون لين ) فهي أشد في الضعف .

        ( وإذا قالوا : ضعيف الحديث فدون : ليس بقوي ، ولا يطرح بل يعتبر به ) [ ص: 409 ] أيضا ، وهذه مرتبة ثالثة ، ومن هذه المرتبة فيما ذكره العراقي ، ضعيف فقط ، منكر الحديث ، حديثه منكر ، واه ضعفوه .

        ( وإذا قالوا : متروك الحديث أو واهيه أو كذاب فهو ساقط لا يكتب حديثه ) ولا يعتبر به ، ولا يستشهد ، إلا أن هاتين مرتبتان وقبلهما مرتبة أخرى ، لا يعتبر بحديثها أيضا ، وقد أوضح ذلك العراقي .

        فالمرتبة التي قبل وهي الرابعة ، رد حديثه ، ردوا حديثه ، مردود الحديث ، ضعيف جدا ، واه بمرة ، طرحوا حديثه ، مطرح ، مطرح الحديث ، ارم به ، ليس بشيء ، لا يساوي شيئا .

        ويليها ، متروك الحديث ، متروك ، تركوه ، ذاهب ، ذاهب الحديث ، ساقط ، هالك ، فيه نظر ، سكتوا عنه ، لا يعتبر به ، لا يعتبر بحديثه ، ليس بالثقة ، ليس بثقة ، غير ثقة ولا مأمون ، متهم بالكذب أو بالوضع .

        ويليها كذاب ، يكذب ، دجال ، وضاع ، يضع ، وضع حديثا .

        ( ومن ألفاظهم ) في الجرح والتعديل ( فلان روى عنه الناس ، وسط ، مقارب الحديث ) وهذه الألفاظ الثلاثة من المرتبة التي يذكر فيها شيخ ، وهي [ ص: 410 ] الثالثة من مراتب التعديل فيما ذكره المصنف ، ( مضطرب لا يحتج به مجهول ) وهذه الألفاظ الثلاثة في المرتبة التي فيها : ضعيف الحديث ، وهي الثالثة من مراتب التجريح .

        ( لا شيء ) هذه من مرتبة رد حديثه ، التي أهملها المصنف وهي الرابعة ( ليس بذلك ، ليس بذاك القوي ، فيه ) ضعف ، ( أو في حديثه ضعف ) هذه من مرتبة لين الحديث ، وهي الأولى ، ( ما أعلم به بأسا ) ، هذه أيضا منها ، أو من آخر مراتب التعديل ، كأرجو أن لا بأس به .

        قال العراقي : وهذه أرفع في التعديل ، لأنه لا يلزم من عدم العلم بالبأس حصول الرجاء بذلك .

        قلت : وإليه يشير صنيع المصنف ( ويستدل على معانيها ) ومراتبها ( بما تقدم ) وقد تبين ذلك .



        تنبيهات

        الأول : البخاري يطلق : فيه نظر وسكتوا عنه فيمن تركوا حديثه ، ويطلق منكر الحديث على من لا تحل الرواية عنه .

        [ ص: 411 ] الثاني : ما تقدم من المراتب مصرح بأن العدالة تتجزأ لكنه باعتبار الضبط ، وهل تتجزأ باعتبار الدين ؟ وجهان في الفقه ، ونظيره الخلاف في تجزئ الاجتهاد وهو الأصح فيه ، وقياسه بتجزؤ الحفظ في الحديث ، فيكون حافظا في نوع دون نوع من الحديث ، وفيه نظر .

        الثالث : قولهم مقارب الحديث . قال العراقي : ضبط في الأصول الصحيحة بكسر الراء ، وقيل : إن ابن السيد حكى فيه الفتح والكسر ، وأن الكسر من ألفاظ التعديل ، والفتح من ألفاظ التجريح ، قال : وليس ذلك بصحيح ، بل الفتح والكسر معروفان ، حكاهما ابن العربي في شرح الترمذي ، وهما على كل حال من ألفاظ التعديل .

        وممن ذكر ذلك الذهبي قال : وكأن قائل ذلك فهم من فتح الراء أن الشيء المقارب هو الرديء ، وهذا من كلام العوام وليس معروفا في اللغة ، وإنما هو على الوجهين من قوله صلى الله عليه وسلم : " سددوا وقاربوا " فمن كسر قال إن معناه حديثه مقارب لحديث غيره ، ومن فتح قال معناه إن حديثه يقاربه حديث غيره ، ومادة فاعل تقتضي [ ص: 412 ] المشاركة انتهى .

        وممن جزم بأن الفتح تجريح البلقيني في " محاسن الاصطلاح " ، وقال : حكى ثعلب : تبر مقارب ، أي رديء انتهى .

        وقولهم إلى الصدق ما هو ، وللضعف ما هو معناه قريب من الصدق والضعف ، فحرف الجر يتعلق بقريب مقدرا ، وما زائدة في الكلام ، كما قال عياض والمصنف في حديث الجساسة عند مسلم " من قبل المشرق ، ما هو " المراد إثبات أنه في جهة المشرق .

        وقولهم واه بمرة أي قولا واحدا لا تردد فيه ، فكأن الباء زائدة ، وقولهم : تعرف وتنكر ، أي يأتي مرة بالمناكير ومرة بالمشاهير .




        الخدمات العلمية