الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              [ ص: 509 ] المسألة السادسة عشرة

              العوائد أيضا ضربان بالنسبة إلى وقوعها في الوجود :

              أحدهما : العوائد العامة التي لا تختلف بحسب الأعصار والأمصار والأحوال ; كالأكل والشرب ، والفرح والحزن ، والنوم واليقظة ، والميل إلى الملائم ، والنفور عن المنافر ، وتناول الطيبات والمستلذات ، واجتناب المؤلمات والخبائث ، وما أشبه ذلك .

              والثاني : العوائد التي تختلف باختلاف الأعصار والأمصار والأحوال ; كهيئات اللباس والمسكن ، واللين في الشدة والشدة فيه ، والبطء والسرعة في الأمور ، والأناة والاستعجال ، وما كان نحو ذلك .

              فأما الأول ; فيقضى به على أهل الأعصار الخالية والقرون الماضية ; للقطع بأن مجاري سنة الله تعالى في خلقه على هذا السبيل وعلى سننه لا تختلف عموما كما تقدم ; فيكون ما جرى منها في الزمان الحاضر محكوما به على الزمان الماضي والمستقبل مطلقا ، كانت العادة وجودية أو شرعية .

              وأما الثاني ; فلا يصح أن يقضى به على ما تقدم البتة ، حتى يقوم دليل على الموافقة من خارج ، فإذ ذاك يكون قضاء على ما مضى بذلك الدليل لا بمجرى العادة ، وكذلك في المستقبل ، ويستوي في ذلك أيضا العادة الوجودية والشرعية .

              [ ص: 510 ] وإنما قلنا ذلك لأن الضرب الأول راجع إلى عادة كلية أبدية ، وضعت عليها الدنيا وبها قامت مصالحها في الخلق ، حسبما بين ذلك الاستقراء ، وعلى وفاق ذلك جاءت الشريعة أيضا ; فذلك الحكم الكلي باق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وهي العادة التي تقدم الدليل على أنها معلومة لا مظنونة ، وأما الضرب الثاني ; فراجع إلى عادة جزئية داخلة تحت العادة الكلية ، وهي التي يتعلق بها الظن لا العلم ، فإذا كان كذلك ; لم يصح أن يحكم بالثانية على من مضى لاحتمال التبدل والتخلف ، بخلاف الأولى .

              وهذه قاعدة محتاج إليها في القضاء على ما كان عليه الأولون ، لتكون حجة في الآخرين ، ويستعملها الأصوليون كثيرا بالبناء عليها ، ورد القضاء بالعامة إليها وليس هذا الاستعمال بصحيح بإطلاق ، ولا فاسد بإطلاق ، بل الأمر فيه يحتمل الانقسام كما تقدم ، وينشأ بين القسمين قسم ثالث يشكل الأمر فيه : هل يلحق بالأول فيكون حجة ، أم لا فلا يكون حجة ؟

              التالي السابق


              الخدمات العلمية