الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وأما النذر بالعبادات البدنية فإما أن يضيفه إلى مكان أو زمان أما إذا أضافه إلى زمان بأن قال : لله علي أن أصوم رجب فصام شهرا قبله أجزأه عن المنذور في قول أبي يوسف ، وهو رواية الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى وفي قول محمد وزفر لا يجزئه وكذلك لو قال : لله علي أن أعتكف رجب فاعتكف شهرا قبله أو قال : لله علي أن أصلي ركعتين غدا فصلى اليوم فهو على هذا الخلاف وجه قول محمد وزفر رحمهما الله أن ما يوجبه العبد على نفسه معتبر بما أوجب الله تعالى عليه وما أوجب الله تعالى عليه من الصوم في وقت بعينه لا يجوز تعجيله على ذلك الوقت كصوم رمضان ، وكذلك ما أوجب الله تعالى عليه من الصلاة في وقت بعينه كصلاة الظهر لا يجوز تعجيلها قبل الزوال فكذلك ما يوجبه على نفسه ، وبه فارق الصدقة ; لأن بالنذر بالصوم جعل ما هو المشروع في الوقت نفلا واجبا بنذره ولهذا لا يصح إضافة النذر بالصوم إلى الليل ; لأن الصوم غير مشروع فيه نفلا والمشروع من الصوم في وقت غير المشروع في وقت آخر ونذره تعلق بالصوم المشروع في الوقت المضاف إليه حتى يتأدى فيه بمطلق النية وبالنية قبل الزوال ولو لم يتعين صوم ذلك الوقت بنذره لما تأدى إلا بالنية من الليل كما لو أطلق النذر بالصوم وجه قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى إن الناذر يلتزم بنذره الصوم دون الوقت ; لأن معنى القربة في الصوم باعتبار أنه عمل بخلاف هوى النفس ، وإنما يلزم بالنذر ما هو قربة وتعيين الوقت غير مفيد في هذا المعنى فلا يكون معتبرا كما في الصدقة ولا يقال : الصوم في بعض الأوقات قد يكون أعظم في الثواب كما ورد به الأثر في صوم الأيام البيض وفي صوم بعض الشهور [ ص: 131 ] والأيام ; لأن بالإجماع النذر لا يتقيد بالفضيلة التي في الوقت المضاف إليه حتى لو نذر أن يصوم يوم عرفة أو يوم عاشوراء فصام بعد مضي ذلك اليوم يوما دونه في الفضيلة فإنه يخرج عن موجب نذره .

وهذا بخلاف صوم رمضان وصلاة الظهر ; لأن الشرع جعل شهود الشهر سببا لوجوب الصوم قال الله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } ومثل هذا لبيان السبب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم { من بدل دينه فاقتلوه ومن ملك ذا رحم محرم فهو حر } وكذلك الشرع جعل زوال الشمس سببا لوجوب صلاة الظهر قال الله تعالى : { أقم الصلاة لدلوك الشمس } فإذا أدى قبل ذلك الوقت كان مؤديا قبل وجود سبب الوجوب فلهذا لا يجوز أما هنا الناذر لم يجعل الوقت بنذره سببا للوجوب ; لأنه ليس للعباد ولاية نصب الأسباب فيكون السبب متقررا قبل مجيء الوقت المضاف إليه وإن كان وجوب الأداء متأخرا فلهذا جاز التعجيل ، وهو نظير المسافر في شهر رمضان إذا صام كان مؤديا للفرض وإن كان وجوب الأداء متأخرا في حقه إلى عدة من أيام أخر والحرف الثاني أنه أدى العبادة بعد وجود سبب وجوبها قبل وجوبها فيجوز كما لو كفر بعد الجرح قبل زهوق الروح في قتل المسلم أو في قتل الصيد وبيان الوصف أن هذه عبادة تضاف إلى النذر لا إلى الوقت يقال صوم النذر والواجبات تضاف إلى أسبابها والإضافة إلى وقت لا يمنع كونه نذرا في الحال بدليل أن التعجيل في النذر بالصدقة يجوز بالاتفاق وما لم يوجد السبب لا يجوز الأداء هناك كما لو علق النذر بالشرط وبعد وجود السبب يجوز التعجيل ماليا كان أو بدنيا كما في كفارة القتل وكما لو صام المسافر في شهر رمضان يجوز لوجود السبب وهو شهود الشهر فإذا ثبت هنا أن السبب ، وهو النذر متقرر قلنا يجوز تعجيل الأداء وفي جواز التعجيل هنا منفعة للناذر فربما لا يقدر على الأداء في الوقت المضاف إليه لمرض أو غيره وربما تخترمه المنية قبل مجيء ذلك الوقت إلا أنه بالإضافة إلى ذلك الوقت قصد التخفيف على نفسه حتى لو مات قبل مجيء ذلك الوقت لا يلزمه شيء فأعطيناه مقصوده واعتبرنا تعيينه في هذا الحكم وجوزنا التعجيل لتوفير المنفعة عليه كما في الصدقة إذا عين الدراهم فهلكت تلك الدراهم لم يلزمه شيء ولو تصدق بمثلها وأمسكها خرج عن موجب نذره وإذا ثبت اعتبار التعيين من هذا الوجه قلنا يجوز الأداء بمطلق النية وبالنية قبل الزوال ; لأن تعيينه معتبر فيما يرجع إلى النظر له وفي التأدي بمطلق النية قبل الزوال معنى النظر له فاعتبرنا تعيينه في هذا الحكم .

التالي السابق


الخدمات العلمية