الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وعلى هذا بنى محمد رحمه الله تعالى أول الباب فقال : امرأة كان حيضها خمسة أيام من أول كل شهر فرأت قبلها خمسة دما وطهرت أيامها ثم رأت بعد ذلك يوما أو يومين أو ثلاثة فأيامها المعروفة هي الحيض في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى وقال محمد : رحمه الله تعالى المتقدم هو الحيض ، وكذلك إن كانت رأت يومين دما من أول أيامها مع ذلك أو من آخر أيامها ; لأن ما رأته في أول أيامها لا يمكن أن يجعل حيضا بانفراده ، وإن رأت ثلاثة دما في أيامها مع ذلك من أولها أو من آخرها كانت هذه الثلاثة هي الحيض في [ ص: 183 ] قول محمد رحمه الله تعالى ; لأنها رأت في أيامها ما يمكن أن يجعل حيضا بانفراده ، وإن كان حيضها ثلاثة أيام من أول كل شهر فتقدم حيضها قبل ذلك أحد عشر يوما ثم طهرت أيامها فلم تر فيها ولا فيما بعدها دما فعلى قياس قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن ذلك استحاضة إلا أن يعاودها الدم في مثل تلك الحالة أحد عشر يوما أخر فإن عاودها كانت ثلاثة أيام من الأيام الأول من أولها حيضا وثلاثة أيام من هذه الأحد عشر يوما الأخرى حيضا من أولها ; لأنه لا يرى الإبدال فجعل حكم ذلك موقوفا فإن تأكد بالتكرار انتقلت به العادة لما بينا أن انتقال العادة يحصل بعدم الرؤية في أيامها مرتين فأما عند محمد رحمه الله : ثلاثة أيام من أول الأحد عشر يوما الأول حيض بطريق البدل ; لأنه مرئي عقيب طهر صحيح وحكم انتقال العادة به يكون موقوفا على ما ترى في الشهر الثاني كما قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى فإن كان حيضها خمسة أيام من أول الشهر فحاضتها ثم استمر بها الدم إلى تمام الشهر ثم انقطع في خمستها ثم استمر بعدها ففي قول أبي يوسف رحمه الله حيضها خمستها لإحاطة الدم بجانبيها .

وقال محمد رحمه الله حيضها خمسة أيام بعد أيامها ; لأن شرط الإبدال في المتقدم أن يكون مرئيا عقيب طهر صحيح لا استمرار فيه ، ولم يوجد فكان الإبدال بعد أيامها ; لأنه يبقى بعد الإبدال إلى موضع حيضها الثاني مدة طهر تام ، وإن كان فيه استمرار ، وإن لم تر كذلك ، ولكنها رأت خمسة قبل أيامها دما ، وطهرت أيامها فتلك الخمسة هي الحيض في قول محمد رحمه الله تعالى لوجود شرط الإبدال في المتقدم فإن رأت في المرة الثانية تلك الخمسة وأيامها المعروفة وزيادة يوم دما فحيضها الخمسة المعروفة ; لأن انتقال العادة لا يحصل بالمرة الواحدة فإن لم تر في المرة الثانية كذلك ، ولكنها رأت الخمسة التي قبل أيامها ، وطهرت أيامها وطهرت بعد أيامها ثم رأت في المرة الثالثة تلك الخمسة وخمستها وزيادة يوم فحيضها هي الخمسة الأولى ; لأن انتقال العادة حصل بعدم الرؤية في أيامها مرتين وكذلك إن طهرت في أيامها مرتين ولم تر في غيرها دما ثم رأت الدم خمسة قبل أيامها وفي أيامها وزيادة يوم فحيضها خمسة من أول ما رأت لانتقال العادة في الموضع لعدم الرؤية مرتين .

وإن كانت طهرت في أيامها مرة واحدة فحيضها هي الخمسة المعروفة ; لأن الانتقال لا يحصل بعدم الرؤية مرة إلا في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى فإن كانت لم تر قبل أيامها ، ولا في أيامها ، ورأت بعدها خمسة دما ثم في المرة الثانية طهرت خمستها ، وهذه الخمسة ثم استمر بها الدم فأيامها خمسة [ ص: 184 ] من حين استمر بها الدم لانتقال العادة إلى موضع الرؤية بعدم الرؤية أيامها مرتين .

( قال ) : في الكتاب وما بعدها طهر إلى تمام الشهر من حين استمر بها الدم ثم تكون حائضا وأكثر مشايخنا رحمهم الله تعالى على أن هذا الجواب غلط ، والصحيح أن بعد ما تترك خمسة من أول الاستمرار تصلي ثلاثين يوما ; لأن عادتها في الطهر قد انتقلت إلى ثلاثين يوما برؤيته مرتين على الولاء ففي الشهر الأول طهرت خمستها بعد ما مضى من طهرها خمسة وعشرون فذلك ثلاثون يوما ثم رأت خمسة ثم طهرت بقية الشهر ، وذلك عشرون يوما وطهرت خمستها وخمسة بعد خمستها في الشهر الثالث فذلك ثلاثون يوما فعلمنا أنها طهرت مرتين على الولاء ثلاثين فانتقلت عادتها في الطهر إلى هذا فعليه تبني في زمان الاستمرار .

( قال ) الحاكم رحمه الله تعالى ويحتمل أن يكون وجه جواب محمد رحمه الله تعالى أنها لما طهرت أيامها المعروفة مرتين كان حيضها منتقلا إلى حيث ترى الدم فلما رأته في الخمسة الثالثة من الشهر صار ذلك الموضع وقتها وكان حكمها كالتي تدرك فحيضها من أول الإدراك أو كالتي انتقلت عادتها بالحبل عن موضع عادتها فإذا استمر بها الدم حتى ينتهي إلى هذه الخمسة من الشهر الآخر فقد انتهت إلى معروفها ، وهي ترى الدم فلا بد من أن يجعل ذلك حيضا ولم يحصل بين هذه الخمسة وبين الخمسة الأولى من حساب الطهر إلا خمسة وعشرون يوما فلذلك أجاب بما أجاب به ، وهذا الذي قاله ضعيف ; لأن في حق المبتدأة ليس لها في الطهر عادة تبني على تلك العادة ، ولهذه في الطهر عادة متأكدة بالتكرار وذلك ثلاثون يوما فلا يجوز النقصان عنه في زمان الاستمرار ، ومن أصحابنا من قال : مراده مما قال وما بعدها طهر إلى تمام الشهر خمسة عشر يوما ; لأنه إنما استمر بها الدم بعد ما مضى عشرة أيام من الشهر فإن تركت خمسة بقي إلى تمام الشهر خمسة عشر يوما فتصلي فيها ثم تدع خمسة من أول الشهر ، وهذا أيضا ضعيف فقد قال في الكتاب : وما بعدها طهر إلى تمام الشهر من حين استمر بها الدم فإنما الدم جعل أول الشهر في حقها من وقت الاستمرار ، والأصح أنه غلط لما بينا

التالي السابق


الخدمات العلمية