الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        ( وعدة الأمة شهران وخمسة [ ص: 525 ] أيام ) لأن الرق منصف . ( وإن كانت حاملا فعدتها أن تضع حملها ) لإطلاق قوله تعالى: { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } ، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : من شاء باهلته أن سورة النساء القصرى نزلت بعد الآية التي [ ص: 526 ] في سورة البقرة ، وقال عمر رضي الله عنه : لو وضعت وزوجها على سريره لانقضت عدتها ، وحل لها أن تتزوج .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        قوله : قال ابن مسعود : من شاء باهلته : أن سورة النساء القصرى ، نزلت بعد الآية التي في سورة البقرة ; قلت : أخرجه البخاري في " تفسير سورة الطلاق وفي أوائل البقرة " عنه ، قال : أتجعلون عليها التغليظ ، ولا تجعلون لها الرخصة ؟ لنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن }انتهى .

                                                                                                        وأخرجه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه بلفظ " من شاء لاعنته : لأنزلت سورة النساء القصرى بعد الأربعة أشهر وعشرا انتهى .

                                                                                                        وأخرجه البزار في " مسنده " عن علقمة عنه بلفظ : من شاء حالفته أن { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن }نزلت بعد آية المتوفى ، فإذا وضعت المتوفى عنها حملها ، فقد حلت ، وقرأ { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا }الآية انتهى .

                                                                                                        وروى عبد الله بن أحمد في " مسند أبيه " من حديث المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو ، وعن { أبي بن كعب ، قال : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن }المطلقة ثلاثا ، أو المتوفى عنها ؟ فقال : هي المطلقة ثلاثا ، والمتوفى عنها }انتهى .

                                                                                                        والمثنى بن الصباح متروك بمرة ; ورواه الطبري ، وابن أبي حاتم في " تفسيريهما في سورة الطلاق " من حديث ابن لهيعة عن عمرو به ، وابن لهيعة أيضا ضعيف ; ورواه الطبري أيضا من حديث ابن عيينة عن عبد الكريم بن أبي المخارق عن { أبي بن كعب ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية ; فقال : أجل كل حامل أن تضع ما في بطنها ، }انتهى . [ ص: 526 ] وعبد الكريم مع ضعفه لم يدرك أبيا .

                                                                                                        قوله : قال عمر رضي الله عنه : لو وضعت وزوجها على سريره لانقضت عدتها ، وحل لها أن تتزوج ; قلت : رواه مالك في " الموطأ " عن نافع عن ابن عمر أنه سئل عن المرأة التي يتوفى عنها زوجها ، وهي حامل ، فقال : إذا وضعت حملها فقد حلت ، فأخبره رجل من الأنصار أن عمر ، قال : لو وضعت وزوجها على سريره لم يدفن بعد [ ص: 527 ] لحلت انتهى .

                                                                                                        وعن مالك رواه الشافعي في " مسنده " ، وكذلك رواه عبد الرزاق في " مصنفه " عن معمر عن أيوب عن نافع به ، سواء ; ورواه هو ، وابن أبي شيبة في " مصنفيهما " عن ابن عيينة عن الزهري عن سالم ، قال : سمعت رجلا من الأنصار يحدث ابن عمر يقول : سمعت أباك يقول : لو وضعت المتوفى عنها زوجها ذا بطنها ، وهو على السرير لقد حلت انتهى . وفيه رجل مجهول .

                                                                                                        أحاديث الباب : منها حديث سبيعة الأسلمية ، أخرجه البخاري ، ومسلم عن كريب مولى ابن عباس عن أم سلمة ، قال : { إن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال ، وأنها ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تتزوج }انتهى .

                                                                                                        وفي لفظ للبخاري : { أنها وضعت بعد وفاة زوجها بأربعين ليلة ، }وفي لفظ آخر : { فمكثت قريبا من عشر ليال ، ثم جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : انكحي }انتهى .

                                                                                                        وأخرجه البخاري ، ومسلم أيضا { عن عمر بن عبد الله بن الأرقم أنه دخل على سبيعة بنت الحارث الأسلمية فسألها عن حديثها ، فأخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة ، وهو من بني عامر بن لؤي ، وكان ممن شهد بدرا ، فتوفي عنها في حجة الوداع ، وهي حامل فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته ، فلما فرغت من نفاسها تجملت للخطاب ، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك رجل من بني عبد الدار فقال لها : ما لي أراك متجملة ، لعلك ترجين النكاح ؟ والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر : قالت سبيعة : فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي ، حين أمسيت ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك ، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي ، وأمرني بالتزويج إن بدا لي } ، قال ابن شهاب : ولا أرى بأسا أن تتزوج حين وضعت ، وإن كانت في دمها ، غير أنه لا يقربها زوجها حتى تطهر انتهى .

                                                                                                        وذكره عبد الحق في " أحكامه " من جهة مسلم من رواية { سبيعة ، أنها نفست بعد وفاة [ ص: 528 ] زوجها بليال } ، إلى آخره ; وتعقبه ابن القطان في " كتابه " ، وقال : إن هذا خطأ ، فإن سبيعة لم ترو هذا الحديث ، ولا رواه أحد عنها ، وإنما هي صاحبة القصة ، كأبي جهم في قصة الأنبجانية ، وذي اليدين في قصة السهو ، فلو روى راو حديث السهو عن ذي اليدين ، أو حديث الأنبجانية عن أبي الجهم ، لكان مخطئا ، فكذلك هذا ، وإنما راويه أم سلمة ، ثم ذكر لفظ " الصحيحين " فيه من جهة أم سلمة ، انتهى .

                                                                                                        وهذا وهم فاحش ، فقد أخرجاه من حديثها ، كما قدمناه ، وكذا رواه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، وليس لها في الكتب الستة غير هذا الحديث ، وقد ذكره أصحاب الأطراف في " مسندها " ، وكذلك الحميدي في " الجمع بين الصحيحين " .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه ابن أبي شيبة ، وعبد الرزاق في " مصنفيهما " ، قال الأول : حدثنا محمد بن بشر العبدي ; وقال الثاني : حدثنا سفيان الثوري ، قالا : ثنا عمرو بن ميمون بن مهران عن أبيه { عن الزبير بن العوام أنه كانت تحته أم كلثوم ، وكان فيه شدة على النساء ، فكرهته ، فسألته أن يطلقها ، وهي حامل ، فأبى ، فلما ضربها الطلق ألحت عليه في تطليقه ، فطلقها واحدة ، وهو يتوضأ ، ثم خرج ، فأدركه إنسان ، فأخبره أنها وضعت ، فقال : خدعتني خدعها الله ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فقال : سبق كتاب الله فيها ، اخطبها ، فقال : إنها لا ترجع إلي أبدا }انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية