الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر خلافة الهادي

وبويع لابنه موسى الهادي في اليوم الذي مات فيه المهدي ، وهو مقيم بجرجان ، يحارب أهل طبرستان ، ولما توفي المهدي كان الرشيد معه بماسبذان ، فأتاه الموالي والقواد ، وقالوا له : إن علم الجند بوفاة المهدي لم تأمن الشغب ، والرأي أن تنادي فيهم بالرجوع ، حتى تواريه ببغداذ .

فقال هارون : ادعو إلي أبي يحيى بن خالد ، وكان يحيى يتولى ما كان إلى الرشيد من أعمال المغرب ، من الأنبار إلى إفريقية ، فاستدعي يحيى إلى الرشيد ، فقال : ما تقول فيما رأى هؤلاء ؟ وأخبره الخبر . قال : لا أرى ذلك ، لأن هذا لا يخفى ، ولا آمن إذا علم الجند ، أن يتعلقوا بمحمله ، ويقولوا : لا نخلي حتى نعطى لثلاث سنين وأكثر ، ويتحكموا ويشتطوا ولكني أرى أن يوارى ، رحمه الله ، هاهنا وتوجه نصيرا إلى أمير المؤمنين الهادي بالخاتم والقضيب ، والتعزية ، والتهنئة ، فإن الناس لا ينكرون خروجه ، إذ هو على بريد الناحية ، وأن تأمر لمن تبعك من الجند بجوائز مائتين ، وتنادي فيهم بالرجوع فلا تكون لهم همة سوى أهلهم .

ففعل ذلك ، فلما قبض الجند الدراهم تنادوا : بغداذ بغداذ ! وأسرعوا إليها ، فلما بلغوها وعلموا خبر المهدي أتوا باب الربيع ، وأحرقوه ، وأخرجوا من كان في الحبوس ، وطالبوا بالأرزاق .

فلما قدم الرشيد بغداذ أرسلت الخيزران إلى ربيع وإلى يحيى بن خالد تستدعيهما لتشاورهما في ذلك ، فأما الربيع فدخل عليها ، وأما يحيى فامتنع لما يعلم من غيرة [ ص: 259 ] الهادي ، وجمع الأموال حتى أعطى الجند لسنتين فسكتوا .

وكتب الهادي إلى الربيع كتابا يتهدده بالقتل ، وكتب إلى يحيى يشكره ، ويأمره بأن يقوم بأمر الرشيد .

وكان الربيع يود يحيى ويثق به . فاستشاره فيما يفعل خوفا من الهادي فأشار عليه بأن يرسل ولده الفضل إلى طريق الهادي بالهدايا والتحف ، ويعتذر ، ففعل ، ورضي الهادي عنه .

وكان الربيع قد أوصى إلى يحيى بن خالد . وأخذت البيعة للهادي ببغداذ وكتب الرشيد إلى الآفاق بوفاة المهدي ، وأخذ البيعة للهادي ، وسار نصير الوصيف إلى الهادي بجرجان ، فعلم بوفاة المهدي والبيعة له ، فنادى بالرحيل وركب على البريد مجدا ، فبلغ في عشرين يوما ، ولما قدمها استوزر الربيع .

وفي هذه السنة أيضا هلك الربيع .

وفيها اشتد طلب المهدي للزنادقة ، فقتل منهم جماعة علي بن يقطين ، وقتل أيضا يعقوب بن الفضل بن عبد الرحمن بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب .

وكان سبب قتله أنه أتي به إلى المهدي ، فأقر بالزندقة ، فقال : لو كان ما تقول حقا لكنت حقيقا أن تتعصب لمحمد ، ولولا محمد [ من ] كنت ! أما والله لولا أني جعلت على نفسي أن لا أقتل هاشميا لقتلتك .

ثم قال للهادي : أقسمت إن وليت هذا الأمر لتقتلنه ! ثم حبسه ، فلما مات المهدي قتله الهادي ، وكذلك أيضا كان عهد إليه بقتل ولد لداود بن علي بن عبد الله بن عباس كان زنديقا ، فمات في الحبس قبل المهدي .

ولما قتل يعقوب أدخل أولاده على الهادي ، فأقرت ابنته فاطمة أنها حبلى من أبيها ، [ ص: 260 ] فخوفت ، فماتت من الفزع .

التالي السابق


الخدمات العلمية