الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                738 وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا ابن أبي عدي حدثنا هشام عن يحيى عن أبي سلمة قال سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كان يصلي ثلاث عشرة ركعة يصلي ثمان ركعات ثم يوتر ثم يصلي ركعتين وهو جالس فإذا أراد أن يركع قام فركع ثم يصلي ركعتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح وحدثني زهير بن حرب حدثنا حسين بن محمد حدثنا شيبان عن يحيى قال سمعت أبا سلمة ح وحدثني يحيى بن بشر الحريري حدثنا معاوية يعني ابن سلام عن يحيى بن أبي كثير قال أخبرني أبو سلمة أنه سأل عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثله غير أن في حديثهما تسع ركعات قائما يوتر منهن [ ص: 365 ]

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                [ ص: 365 ] قولها : ( كان يصلي ثلاث عشرة ركعة يصلي ثمان ركعات ثم يوتر ، ثم يصلي ركعتين وهو جالس ، فإذا أراد أن يركع قام فركع ، ثم يصلي ركعتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح ) هذا الحديث أخذ بظاهره الأوزاعي وأحمد فيما حكاه القاضي عنهما ؛ فأباحا ركعتين بعد الوتر جالسا ، وقال أحمد : لا أفعله ولا أمنع من فعله . قال : وأنكره مالك . قلت : الصواب : أن هاتين الركعتين فعلهما - صلى الله عليه وسلم - بعد الوتر جالسا ؛ لبيان جواز الصلاة بعد الوتر ، وبيان جواز النفل جالسا ، ولم يواظب على ذلك ، بل فعله مرة أو مرتين أو مرات قليلة ، ولا تغتر بقولها : كان يصلي ؛ فإن المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون من الأصوليين : أن لفظة ( كان ) لا يلزم منها الدوام ولا التكرار ، وإنما هي فعل ماض يدل على وقوعه مرة ، فإن دل دليل على التكرار عمل به ، وإلا فلا تقتضيه بوضعها ، وقد قالت عائشة - رضي الله عنها - : ( كنت أطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحله قبل أن يطوف ) ، ومعلوم أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يحج بعد أن صحبته عائشة إلا حجة واحدة وهي حجة الوداع ، فاستعملت ( كان ) في مرة واحدة ، ولا يقال : لعلها طيبته في إحرامه بعمرة ؛ لأن المعتمر لا يحل له الطيب قبل الطواف بالإجماع ، فثبت أنها استعملت ( كان ) في مرة واحدة ، كما قاله الأصوليون ، وإنما تأولنا حديث الركعتين جالسا ؛ لأن الروايات المشهورة في الصحيحين وغيرهما عن عائشة مع روايات خلائق من الصحابة في الصحيحين مصرحة بأن آخر صلاته - صلى الله عليه وسلم - في الليل كان وترا .

                                                                                                                وفي الصحيحين أحاديث كثيرة مشهورة بالأمر بجعل آخر صلاة الليل وترا منها : اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا و صلاة الليل مثنى مثنى ، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة ، وغير ذلك فكيف يظن به - صلى الله عليه وسلم - مع هذه الأحاديث وأشباهها أنه يداوم على ركعتين بعد الوتر ويجعلهما آخر صلاة الليل ؟ وإنما معناه ما قدمناه من بيان الجواز ، وهذا الجواب هو الصواب . وأما ما أشار إليه القاضي عياض من ترجيح الأحاديث المشهورة ورد رواية الركعتين جالسا فليس بصواب ؛ لأن الأحاديث إذا صحت وأمكن الجمع بينها تعين ، وقد جمعنا بينها ولله الحمد .

                                                                                                                قوله : ( حدثنا يحيى بن بشر الحريري ) هو بفتح الحاء المهملة ، وسبق التنبيه عليه في مقدمة هذا الشرح .

                                                                                                                قوله : ( غير أن في حديثهما تسع ركعات يوتر منهن ) كذا في بعض الأصول ، ( منهن ) وفي بعضها : ( فيهن ) وكلاهما صحيح .




                                                                                                                الخدمات العلمية