الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                776 حدثنا عمرو الناقد وزهير بن حرب قال عمرو حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد إذا نام بكل عقدة يضرب عليك ليلا طويلا فإذا استيقظ فذكر الله انحلت عقدة وإذا توضأ انحلت عنه عقدتان فإذا صلى انحلت العقد فأصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد ) القافية : آخر الرأس ، وقافية كل شيء آخره ، ومنه قافية الشعر .

                                                                                                                قوله : ( عليك ليلا طويلا ) هكذا هو في معظم نسخ بلادنا بصحيح مسلم ، وكذا نقله القاضي عن رواية الأكثرين ( عليك ليلا طويلا ) بالنصب على الإغراء ، ورواه بعضهم ( عليك ليل طويل ) بالرفع أي بقي عليك ليل طويل ، واختلف العلماء في هذه العقد فقيل : هو عقد حقيقي بمعنى عقد السحر للإنسان ومنعه من القيام قال الله تعالى : ومن شر النفاثات في العقد فعلى هذا هو قول يقوله يؤثر في تثبيط النائم كتأثير السحر ، وقيل : يحتمل أن يكون فعلا يفعله كفعل النفاثات في العقد ، وقيل : هو من عقد القلب وتصميمه ، فكأنه يوسوس في نفسه ويحدثه بأن عليك ليلا طويلا فتأخر عن القيام ، وقيل : هو مجاز ، كني له عن تثبيط الشيطان عن قيام الليل .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فإذا استيقظ فذكر الله - عز وجل - انحلت عقدة ، وإذا توضأ انحلت عنه عقدتان ، فإذا صلى انحلت العقد ، فأصبح نشيطا طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان ) فيه فوائد منها : الحث على ذكر الله تعالى عند الاستيقاظ ، وجاءت فيه أذكار مخصوصة مشهورة في الصحيح ، وقد جمعتها وما يتعلق بها من باب من كتاب الأذكار ولا يتعين لهذه الفضيلة ذكر ، لكن الأذكار المأثورة فيه أفضل . ومنها : التحريض على الوضوء حينئذ وعلى الصلاة وإن قلت .

                                                                                                                وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( وإذا توضأ انحلت عقدتان ) معناه : تمام عقدتين ، أي انحلت عقدة ثانية ، وتم بها عقدتان ، وهو بمعنى قول الله تعالى : قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين . . . إلى قوله في أربعة أيام أي في تمام أربعة ومعناه : في يومين آخرين تمت الجملة بهما أربعة أيام ، ومثله في الحديث الصحيح : ( من صلى على جنازة فله قيراط ، ومن تبعها حتى توضع في القبر فقيراطان هذا لفظ إحدى روايات مسلم ، وروى البخاري ومسلم من طرق كثيرة بمعناه ، والمراد قيراطان بالأول ، ومعناه : أن بالصلاة يحصل قيراط ، وبالاتباع قيراط آخر ، يتم به الجملة قيراطان . ودليل أن الجملة قيراطان رواية مسلم في صحيحه ( من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها ، ثم تبعها حتى تدفن كان له قيراطان من الأجر ، كل قيراط مثل أحد ، ومن صلى عليها ثم رجع كان له من الأجر مثل أحد ) وفي رواية للبخاري في أول صحيحه ( من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا ، وكان معه حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين ، كل قيراط مثل أحد ، ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط ) . وهذه الألفاظ كلها من رواية أبي هريرة ، ومثله في صحيح مسلم ( من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله ) . وقد سبق بيانه في موضعه .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فأصبح نشيطا طيب النفس ) معناه : لسروره بما وفقه الله الكريم له من الطاعة ، ووعده به من ثوابه مع ما يبارك له في نفسه ، وتصرفه في كل أموره ، مع ما زال عنه من عقد الشيطان وتثبيطه .

                                                                                                                [ ص: 399 ] وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( وإلا أصبح خبيث النفس كسلان ) ، معناه لما عليه من عقد الشيطان وآثار تثبيطه واستيلائه مع أنه لم يزل ذلك عنه ، وظاهر الحديث أن من لم يجمع بين الأمور الثلاثة وهي : الذكر والوضوء والصلاة ، فهو داخل فيمن يصبح خبيث النفس كسلان ، وليس في هذا الحديث مخالفة لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يقل أحدكم خبثت نفسي ) فإن ذلك نهي للإنسان أن يقول هذا اللفظ عن نفسه ، وهذا إخبار عن صفة غيره .

                                                                                                                واعلم أن البخاري بوب لهذا الحديث : باب عقد الشيطان على رأس من لم يصل ، فأنكر عليه المازري وقال : الذي في الحديث أنه يعقد قافية رأسه وإن صلى بعده ، وإنما ينحل عقده بالذكر والوضوء والصلاة . قال : ويتأول كلام البخاري أنه أراد أن استدامة العقد إنما تكون على من ترك الصلاة ، وجعل من صلى وانحلت عقده كمن لم يعقد عليه لزوال أثره .




                                                                                                                الخدمات العلمية