الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تنفع الشفاعة عنده أي: لا توجد رأسا كما في قوله: ولا ترى الضب بها ينجحر

                                                                                                                                                                                                                                      لقوله تعالى: من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه وإنما علق النفي بنفعها لا بوقوعها تصريحا بنفي ما هو غرضهم من وقوعها، وقوله تعالى: إلا لمن أذن له استثناء مفرغ من أعم الأحوال، أي: تقع الشفاعة في حال من الأحوال إلا كائنة لمن أذن له في الشفاعة من النبيين والملائكة ونحوهم من المستأهلين لمقام الشفاعة، فتبين حرمان الكفرة منها بالكلية. أما من جهة أصنامهم فلظهور انتفاء الإذن لها ضرورة استحالة الإذن في الشفاعة لجماد لا يعقل ولا ينطق، وأما من جهة من يعبدونه من الملائكة فلأن إذنهم مقصور على الشفاعة للمستحقين لها لقوله تعالى: لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ومن البين أن الشفاعة للكفرة بمعزل من الصواب، أو لا تنفع الشفاعة من الشفعاء المستأهلين لها في حال من الأحوال إلا كائنة لمن أذن له ، أي: لأجله، وفي شأنه من المستحقين للشفاعة. وأما من عداهم من غير المستحقين لها فلا تنفعهم أصلا، وإن فرض وقوعها وصدورها عن الشفعاء، إذ لم يؤذن لهم في شفاعتهم بل في شفاعة غيرهم. فعلى هذا يثبت حرمانهم من شفاعة هؤلاء بعبارة النص، ومن شفاعة الأصنام بدلالته إذ حيث [ ص: 132 ] حرموها من جهة القادرين على شفاعة بعض المحتاجين إليها فلأن حرموها من جهة العجزة عنها أولى، وقرئ: (أذن له) مبنيا للمفعول. حتى إذا فزع عن قلوبهم أي: قلوب الشفعاء، والمشفوع لهم من المؤمنين. وأما الكفرة فهم من موقف الاستشفاع بمعزل، وعن التفزيع عن قلوبهم بألف منزل. والتفزيع إزالة الفزع. ثم ترك ذكر الفزع وأسند الفعل إلى الجار والمجرور، وحتى غاية لما ينبئ عنه ما قبلها من الإشعار بوقوع الإذن لمن أذن له فإنه مسبوق بالاستئذان المستدعي للترقب، والانتظار للجواب كأنه سئل: كيف يؤذن لهم؟ فقيل: يتربصون في موقف الاستئذان والاستدعاء، ويتوقفون على وجل وفزع مليا، حتى إذا أزيل الفزع عن قلوبهم بعد اللتيا والتي، وظهرت لهم تباشير الإجابة.

                                                                                                                                                                                                                                      قالوا أي: المشفوع لهم إذ هم المحتاجون إلى الإذن، والمهتمون بأمره: ماذا قال ربكم ؟ أي: في شأن الإذن. قالوا أي: الشفعاء; لأنهم المباشرون للاستئذان بالذات، المتوسطون بينهم وبينه عز وجل بالشفاعة. الحق أي: قال ربنا القول الحق، وهو الإذن في الشفاعة للمستحقين لها . وقرئ: (الحق) مرفوعا، أي: ما قاله الحق. وهو العلي الكبير من تمام كلام الشفعاء، قالوه اعترافا بغاية عظمة جناب العزة عز وجل، وقصور شأن كل من سواه، أي: هو المتفرد بالعلو والكبرياء، ليس لأحد من أشراف الخلائق أن يتكلم إلا بإذنه، وقرئ: (فزع) مخففا بمعنى فزع. وقرئ: (فزع) على البناء للفاعل، وهو الله وحده. وقرئ: (فرع) بالراء المهملة، والغين المعجمة، أي: نفي الوجل عنها، وأفنى من فرغ الزاد إذا لم يبق منه شيء. وهو من الإسناد المجازي; لأن الفراغ وهو الخلو حال ظرفه عند نفاده فأسند إليه على عكس قولهم: جرى النهر. وعن الحسن تخفيف الراء، وأصله فرغ الرجل عنها، أي: انتفى عنها وفني، ثم حذف الفاعل، وأسند إلى الجار والمجرور، وبه يعرف حال التفريغ. وقرئ: (ارتفع عن قلوبهم) بمعنى انكشف عنها.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية