الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا

                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم أن جعل النعمة مصدرا، فالجار متعلق بها وإلا فهو متعلق بمحذوف هو حال منها، أي: كائنة عليكم. إذ جاءتكم جنود ظرف لنفس النعمة، أو لثبوتها لهم وقيل: منصوب ب «اذكروا» على أنه بدل اشتمال من نعمة الله. والمراد ب "الجنود" الأحزاب، وهم قريش، وغطفان، ويهود قريظة والنضير. وكانوا زهاء اثني عشر ألفا فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقبالهم ضرب الخندق على المدينة بإشارة سلمان الفارسي، ثم خرج في ثلاثة آلاف من المسلمين فضرب معسكره والخندق بينه وبين القوم، وأمر بالذراري والنساء فرفعوا في الآطام، واشتد الخوف، وظن المؤمنون كل ظن، ونجم النفاق في المنافقين، - حتى قال معتب بن قشير: كان محمد يعدنا كنوز كسرى وقيصر، ولا نقدر أن نذهب إلى الغائط. - ومضى على الفريقين قريب من شهر لا حرب بينهم إلا أن فوارس من قريش منهم: عمرو بن عبدود، وعكرمة بن أبي جهل، وهبيرة بن أبي وهب، ونوفل بن عبد الله، وضرار بن الخطاب، ومرداس أخو بني محارب. قد ركبوا [ ص: 93 ] خيولهم، وتيمموا من الخندق مكانا مضيقا، فضربوا خيولهم، فاقتحموا، فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع، فخرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه في نفر من المسلمين حتى أخذ عليهم الثغرة التي اقتحموا منها، فأقبلت الفرسان نحوهم، وكان عمرو معلما ليرى مكانه، فقال له علي رضي الله عنه: يا عمرو، وإني أدعوك إلى الله ورسوله والإسلام. قال: لا حاجة لي إليه؛ فإني أدعوك إلى النزال. قال: يا ابن أخي، والله لا أحب أن أقتلك. قال علي: لكني والله أحب أن أقتلك. فحمي عمرو عند ذلك، وكان غيورا مشهورا بالشجاعة، واقتحم عن فرسه فعقره، أو ضرب وجهه ثم أقبل على علي فتناولا وتجاولا، فضربه علي رضي الله عنه ضربة ذهبت فيها نفسه، فلما قتله انهزمت خيله حتى اقتحمت من الخندق هاربة، وقتل مع عمرو رجلين منبه بن عثمان ابن عبد الدار، ونوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي قتله أيضا علي رضي الله عنه. وقيل: لم يكن بينهم إلا الترامي بالنبل والحجارة حتى أنزل الله تعالى النصر، وذلك قوله تعالى: فأرسلنا عليهم ريحا عطف على جاءتكم مسوق لبيان النعمة إجمالا، وسيأتي بقيتها في آخر القصة. وجنودا لم تروها وهم الملائكة عليهم السلام، وكانوا ألفا بعث الله عليهم صبا باردة في ليلة شاتية فأخصرتهم، وسفت التراب في وجوههم، وأمر الملائكة فقلعت الأوتاد، وقطعت الأطناب، وأطفأت النيران، وأكفأت القدور، وماجت الخيل بعضها في بعض، وقذف في قلوبهم الرعب، وكبرت الملائكة في جوانب عسكرهم، فقال طليحة بن خويلد الأسدي: أما محمد فقد بدأكم بالسحر فالنجاء النجاء، فانهزموا من غير قتال. وكان الله بما تعملون من حفر الخندق، وترتيب مبادئ الحرب، وقيل: من التجائكم إليه، ورجائكم من فضله، وقرئ بالياء، أي: بما يعمله الكفار، أي: من التحرز والمحاربة، أو من الكفر والمعاصي. بصيرا ولذلك فعل ما فعل من نصركم عليهم، والجملة اعتراض مقرر لما قبله.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية