الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفي حديث آخر : إن لله تعالى ثلاثمائة خلق ، من لقيه بخلق منها مع التوحيد دخل الجنة . فقال أبو بكر : يا رسول الله ، هل في منها خلق ؟ فقال : كلها فيك يا أبا بكر ، أحبها ، إلى الله تعالى السخاء وقال عليه السلام : رأيت ميزانا دلي من السماء ، فوضعت في كفة ووضعت أمتي في كفة فرجحت بهم ، ووضع أبو بكر في كفة وجيء بأمتي فوضعت في كفة فرجح بهم ومع هذا كله فقد كان استغراق رسول الله : صلى الله عليه وسلم : بالله تعالى بحيث لم يتسع قلبه للخلة مع غيره ، فقال : لو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن صاحبكم خليل الله تعالى يعني نفسه .

التالي السابق


(وفي حديث آخر: إن لله تعالى ثلاثمائة خلق، من لقيه بخلق منها مع التوحيد دخل الجنة. فقال أبو بكر: يا رسول الله، هل في خلق منها؟ فقال: كلها فيك يا أبا بكر، أحبها إلى الله السخاء) . قال العراقي: رواه الطبراني في الأوسط من حديث أنس مرفوعا عن الله تعالى: خلقت بضعة عشر وثلاثمائة خلق، من جاء بخلق منها مع شهادة أن لا إله إلا الله دخل الجنة. ومن حديث ابن عباس: الإسلام ثلاثمائة شريعة وثلاثة عشر شريعة. وفيه وفي الكبير من رواية المغيرة بن عبد الرحمن بن عبيد عن أبيه عن جده نحوه بلفظ: الإيمان. وللبزار من حديث عثمان بن عفان: إن لله مائة وسبعة عشر شريعة ... الحديث. وليس فيها كلها تعرض لسؤال أبي بكر، وكلها ضعيفة. اهـ .

قلت: وتمام حديث عثمان عند البزار: من وافاه بخلق منها دخل الجنة، ورواه الطيالسي والحكيم وأبو يعلى بلفظ: إن لله مائة خلق وسبعة عشر خلقا، فمن أتى الله بخلق واحد منها دخل الجنة. وأما حديث أنس الذي رواه الطبراني في الأوسط فلفظه عنده: إن لله -عز وجل- لوحا من زبرجدة خضراء جعله تحت العرش، كتب فيه: إني أنا الله لا إله إلا أنا أرحم الراحمين، خلقت بضعة وعشرين وثلاثمائة خلق، من جاء بخلق منها مع شهادة أن لا إله إلا الله دخل الجنة. وقد رواه كذلك أبو الشيخ في العظمة، وروى الحكيم من حديث أبي سعيد الخدري: إن لله تعالى ثلاثمائة وخمسة عشر شريعة. يقول الرحمن: وعزتي لا يأتيني عبد من عبادي لا يشرك بي شيئا بواحدة منهن إلا أدخلته الجنة. ولفظ حديث ابن عباس: الإسلام ثلاثمائة شريعة وثلاثة عشر شريعة، ليس منها شريعة يلقى الله بها صاحبها إلا وهو يدخل بها الجنة. هكذا رواه الطبراني في الكبير وفي الأوسط. وأما لفظ حديث المغيرة بن عبد الرحمن بن عبيد عن أبيه عن جده فلفظه: الإيمان ثلاثمائة وثلاثون شريعة، من وافى بشريعة منهن دخل الجنة. رواه الطبراني هكذا فيهما، والبيهقي وابن النجار. قال الحافظ في الإصابة: قال ابن حبان في ترجمة المغيرة بن عبد الرحمن بن عبيد من كتاب الثقات: روى عن أبيه عن جده، وكانت له صحبة فيما يزعمون، وعداده في أهل الشام. وقال ابن عبد البر، روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الإيمان حديثه عند حماد بن سلمة. انتهى .

وأخرج ابن السكن وابن شاهين والطبراني وأبو نعيم كلهم من طريق المنهال بن جبر عن حماد بن سلمة، عن المغيرة بن عبد الرحمن، حدثني أبي، عن جدي وكانت له صحبة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: الإيمان ثلاثمائة وثلاثون شريعة ... الحديث. وسمى ابن السكن جده في روايته عبيدا فقال: وكانت لعبيد صحبة، وكان في بيت المقدس. انتهى .

وأما حديث: السخاء خلق الله الأعظم. فقد رواه أبو الشيخ وابن عباس من حديث ابن عباس، وقد تقدم (وقال -صلى الله عليه وسلم-: رأيت ميزانا من السماء، فوضعت في كفة ووضعت أمتي في كفة فرجحت بهم، ووضع أبو بكر في كفة وجيء بأمتي فوضعت في كفة فرجح بهم) . قال العراقي: رواه أحمد من حديث أبي أمامة بسند ضعيف. انتهى .

قلت: ورواه الطبراني نحوه، ولفظه: رأيت البارحة كأني أدخلت الجنة فخرجت من إحدى أبوابها الثمانية، فإذا أنا بأمتي قيام، فعرضوا علي رجلا رجلا، وإذا الميزان منصوب، فوضعت أمتي في كفة الميزان ووضعت في الكفة الأخرى فرجحت بهم، ثم وضع جميع أمتي في كفة الميزان ووضع أبو بكر الصديق في الكفة الأخرى فرجح بهم، ثم وضع جميع أمتي في كفة الميزان ووضع عمر بن الخطاب في الكفة الأخرى فرجح بهم، ثم رفع الميزان. وروى أحمد عن رجل من الصحابة رفعه: أريت الليلة في المنام كأن ثلاثة من أصحابي وزنوا، فوزن أبو بكر فوزن، ثم وزن عمر فوزن، ثم وزن عثمان فنقص صاحبنا، وهو صالح. وروى ابن عساكر من حديث ابن عمر وأبي أمامة: وزنت بأمتي فوضعت في كفة وأمتي في كفة فرجحت بأمتي، ثم وضع أبو بكر مكاني فرجح بأمتي، ثم وضع عمر مكانه فرجح، ثم وضع عثمان مكانه فرجح بهم، ثم رفع الميزان. وروى ابن عدي من حديث ابن عباس، وقال: غير محفوظ، وزنت بالخلق كلهم فرجحت بهم، ثم وزن أبو بكر فرجح بهم، ثم وزن عمر فرجح بهم، ثم وزن عثمان فرجح بهم، ثم ارتفع الميزان. وروى الشيرازي في الألقاب، وابن منده وقال: غريب. وابن عساكر من حديث عرفجة الأشجعي: وزن أصحابنا الليلة فوزن أبو بكر فوزن، ثم وزن عمر فوزن، ثم وزن عثمان فخف، وهو رجل صالح. قلت: عرفجة بن شريح الأشجعي صحابي نزل الكوفة. وروى أيضا عن أبي بكر الصديق، وعنه زياد بن علاقة، وأبو حازم الأشجعي، وأبو يعقوب العبدي ... وغيرهم. وروى [ ص: 680 ] الطبراني في الكبير من حديث أسامة بن شريك: وزن أصحابي الليلة فوزن أبو بكر، ثم وزن عمر، ثم وزن عثمان. ورواه ابن قانع وابن منده من طريق رحمة بن مصعب، عن شريك، عن الأشعث بن سليم، عن الأسود بن هلال قال: كان فينا أعرابي يؤذن بالحيرة يقال له جبر، فقال: إن عثمان لن يموت حتى يلي هذه الأمة. فقيل له: من أين تعلم؟ فقال: إني صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الفجر، فلما سلم استقبلنا بوجهه، فقال: إن ناسا من أصحابنا وزنوا الليلة فوزن أبو بكر فوزن، ثم وزن عمر فوزن، ثم وزن عثمان فوزن. قال ابن منده: هذا حديث غريب بهذا الإسناد. قال أبو موسى: ذكره ابن منده في آخر ترجمة جبر بن عتيك، والصواب أنه غيره. قال الحافظ: وكذلك أفرده أبو عمر وقال: فيه جبر الأعرابي المحاربي (ومع هذا كله فقد كان استغراق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالله تعالى بحث لم يتسع قلبه للخلة مع غيره، فقال: لو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن صاحبكم خليل الله -يعني نفسه-) .قال العراقي: متفق عليه .

قلت: رواه مسلم من حديث ابن مسعود بلفظ: لو كنت متخذا خليلا لاتخذت ابن أبي قحافة خليلا، ولكن صاحبكم خليل الله عز وجل. ورواه الطبراني وابن عساكر من حديث أبي واقد كذلك، وفي لفظ لمسلم: لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكنه أخي وصاحبي، وقالوا: اتخذ الله خليلا. ورواه أحمد والبخاري من حديث ابن الزبير: لو كنت متخذا من أمتي خليلا دون ربي لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخي في الدين وصاحبي في الغار. ورواه البخاري كذلك من حديث ابن عباس، والشيرازي في الألقاب من حديث سعد، ورواه ابن عساكر من حديث جابر: لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن قولوا كما قال الله صاحبي. وروى عبد الرزاق من حديث البراء: لو كنت متخذا خليلا حتى ألقى الله سوى الله لاتخذت أبا بكر خليلا. وروى أبو نعيم في فضائل الصحابة من حديث ابن مسعود: لو اتخذت خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكنه أخي وصاحبي، وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا.




الخدمات العلمية