الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم يتم لهم ذلك بعد فضل الله تعالى بطول المجاهدة إن كان النبي صلى الله عليه وسلم : يقول للدنيا : إليك عني ، إذ كانت تتمثل له بزينتها .

وكان علي كرم الله وجهه يقول : يا صفراء غري غيري ويا بيضاء غري غيري وذلك لاستشعاره في نفسه ظهور مبادئ الاغترار بها ، لولا أن رأى برهان ربه ، وذلك هو الغنى المطلق ، إذ قال : صلى الله عليه وسلم : ليس الغنى عن كثرة العرض ، إنما الغنى غنى النفس وإذا كان ذلك بعيدا فإذا الأصلح لكافة الخلق فقد المال وإن تصدقوا به وصرفوه إلى الخيرات لأنهم لا ينفكون في القدرة على المال عن أنس بالدنيا وتمتع بالقدرة عليها ، واستشعار راحة في بذلها وكل ذلك يورث الأنس بهذا العالم وبقدر ما يأنس العبد بالدنيا يستوحش من الآخرة ، وبقدر ما يأنس بصفة من صفاته سوى صفة المعرفة بالله يستوحش من الله ومن حبه ، ومهما انقطعت أسباب الأنس بالدنيا تجافى القلب عن الدنيا وزهرتها .

التالي السابق


(ثم يتم لهم ذلك بعد فضل الله تعالى) عليهم (بطول المجاهدة إذ كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول للدنيا: إليك عني إليك عني، إذ كانت تتمثل له بزينتها) رواه الحاكم مع اختلاف، وقد تقدم في ذم الدنيا (وكان علي - رضي الله عنه - يقول: يا صفراء غري غيري ويا بيضاء غري غيري) رواه أحمد في الزهد، حدثنا وهب بن إسماعيل، حدثنا محمد بن قيس عن علي بن ربيعة الوالبي عن علي بن أبي طالب قال: جاءه ابن النباج فقال: يا أمير المؤمنين، امتلأ بيت المسلمين من صفراء وبيضاء، فقال: الله أكبر، فقام متوكئا على ابن النباج حتى قام على بيت مال المسلمين فقال: هذا خبائي وخياره فيه، إذ كل جان يده إلى فيه. يا ابن النباج علي بأسباع الكوفة، قال: فنودي في الناس فأعطى جميع ما في بيت المال، وهو يقول: يا صفراء ويا بيضاء غري غيري، ها وها، حتى ما بقي منه دينار ولا درهم ثم أمر بنضحه، وصلى فيه ركعتين.

(وذلك لاستشعاره في نفسه ظهور مبادئ الاغترار بها، لولا أن رأى برهان ربه، وذلك هو الغنى المطلق، إذ قال - صلى الله عليه وسلم -: ليس الغنى عن كثرة العرض، إنما الغنى غنى النفس) متفق عليه من حديث أبي هريرة، وقد تقدم، (وإذا كان ذلك بعيدا فإذا الأصلح لكافة الخلق فقد المال وإن تصدقوا به وصرفوه إلى الخيرات) ووجوه البر (لأنهم لا ينفكون في القدرة على المال عن أنس بالدنيا وتمتع بالقدرة عليها، واستشعار راحة [ ص: 290 ] في بذلها) ، وصرفها (وكل ذلك يورث الأنس بهذا العالم وبقدر ما يأنس العبد بالدنيا يستوحش من الآخرة، وبقدر ما يأنس بصفة من صفاته سوى صفات المعرفة بالله يستوحش من الله ومن حبه، ومهما انقطعت أسباب الأنس بالدنيا تجافى القلب عن الدنيا وزهرتها) أي: تباعد .




الخدمات العلمية