الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          38 - فصل .

                          النوع الثالث : ما ملك عن الكفار عنوة وقهرا فهذه فيها روايتان :

                          إحداهما : أنها تكون غنيمة تقسم بين الغانمين كالمنقول وتكون أرض عشر لا خراج عليها كما أحياه المسلمون .

                          الثانية : أن الإمام بالخيار إن شاء قسمها وكانت كذلك عشرية غير خراجية ، وإن شاء وقفها على المسلمين ويضرب عليه خراجا ، يكون كالأجرة لها غير مقدر المدة بل إلى الأبد ، فهذه عشرية خراجية .

                          فإن استمرت في يد الكفار ففيها الخراج زرعوها أو لم يزرعوها ولا عشر عليهم ، وإن أسلموا لم يسقط الإسلام خراجها ويجب عليهم فيها العشر فيجتمع العشر والخراج بسببين مختلفين ، العشر على المغل والخراج على رقبة الأرض ، هذا قول الجمهور .

                          [ ص: 249 ] وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يجتمع العشر والخراج في أرض ، بل إن أخذ ممن هي في يده الخراج لم يؤخذ منه العشر وإن أخذ منه العشر لم يؤخذ منه الخراج .

                          وروي في ذلك حديث باطل لا أصل له ، وليس من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يجتمع العشر والخراج " .

                          وشبهة هذا القول أن الخراج في الأصل إنما هو جزية الأرض ، فهو بمنزلة خراج الرءوس فهو على الكفار بمنزلة الجزية على رءوسهم ، وهو عوض عن العشر الذي يجب بالإسلام وبدل عنه ، فلو لم يوضع على الأرض لتعطلت إذ كانت مع كافر عن العشر والخراج ، فكان في ذلك نقص على المسلمين فقام خراجها مقام العشر ، فإذا أسلموا أخذوا بالعشر ولم يجمع عليهم بين العشر والخراج في حال الإسلام كما لم يجمع عليهم بينهما في حال الكفر ، بل إذا سقطت الجزية بالإسلام وهي خراج الرءوس فكذلك الخراج الذي هو جزية الأرض .

                          ولهذا كره الصحابة رضي الله عنهم للمسلم الدخول في أرض الخراج ; لأنه يسقط ما عليها من الخراج بدخوله فيها .

                          وأما الجمهور فنازعوه في ذلك وقالوا : الخراج على رقبة الأرض زرعت أو لم تزرع والعشر في مغلها سواء كانت ملكا أو عارية أو إجارة ولم يوضع الخراج بدلا عن العشر ، بل وضع حقا للمسلمين في رقبة الأرض ، وإنما لم يجتمع على الكافر العشر والخراج ; لأن العشر زكاة وليس من أهلها فلا تؤخذ منه كما لم تؤخذ من مواشيه وأمواله .

                          [ ص: 250 ] قالوا : وإنما كره الصحابة رضي الله عنهم الدخول في أرض الخراج ; لأن المسلم إذا دخل فيها التزم ما عليها من الخراج وهو صغار في الأصل ، فلا ينبغي أن يلتزمه ويقر به ولما كان تابعا للأرض كان باقيا ببقائها تابعا لها ويزول بزوالها وتعطيل نفعها ، كما تسقط الجزية بزوال الرقبة أو عجزها عن الأداء ، ولا تنافي بين اجتماع الحقين في العين الواحدة بسببين مختلفين كما تجب عليه في الصيد المملوك إذا أتلفه في الإحرام - قيمته لمالكه والجزاء لحق الله ، وكما لو قتل أمة بالزنا غرم قيمتها لسيدها ولزمه الحد لله سبحانه ، وكذلك لو قتل عبدا خطأ لزمته قيمته لسيده والكفارة للمساكين ، ونظائر ذلك كثيرة وهذا النوع من الأرض هو المعروف بوضع الخراج .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية