الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر السبب الذي من أجله أمر إبراهيم بالذبح وصفة الذبح

قيل : أمر الله إبراهيم - عليه السلام - بذبح ابنه فيما ذكر أنه دعا الله أن يهب له ولدا ذكرا صالحا ، فقال : رب هب لي من الصالحين . فلما بشرته الملائكة بغلام حليم قال : إذن هو ذبيح . فلما ولد الغلام وبلغ معه السعي قيل له : أوف نذرك الذي نذرت . وهذا على قول من زعم أن الذبيح إسحاق ، وقائل هذا يزعم أن ذلك كان بالشام على ميلين من إيليا . وأما من زعم أنه إسماعيل فيقول : إن ذلك كان بمكة .

قال محمد بن إسحاق : إن إبراهيم قال لابنه حين أمر بذبحه : يا بني ، خذ الحبل والمدية ثم انطلق بنا إلى هذا الشعب لنحتطب لأهلك . فلما توجه اعترضه إبليس ليصده عن ذلك ، فقال : إليك عني يا عدو الله ! فوالله لأمضين لأمر الله ! فاعترض إسماعيل فأعلمه ما يريد إبراهيم يصنع به ، فقال : سمعا لأمر ربي وطاعة . فذهب إلى هاجر فأعلمها ، فقالت : إن كان ربه أمره بذلك فتسليما لأمر الله . فرجع بغيظه لم يصب منهم شيئا .

فلما خلا إبراهيم بالشعب ، وهو شعب ثبير ، قال له : يابني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال ياأبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين . [ ص: 100 ] ثم قال له يا أبت إن أردت ذبحي فاشدد رباطي لا يصبك من دمي شيء فينتقص أجري ، فإن الموت شديد ، واشحذ شفرتك حتى تريحني ، فإذا أضجعتني فكبني على وجهي فإني أخشى إن نظرت في وجهي أنك تدرك رحمة فتحول بينك وبين أمر الله ، وإن رأيت أن ترد قميصي إلى هاجر أمي فعسى أن يكون أسلى لها عني ، فافعل . فقال إبراهيم : نعم المعين أنت ، أي بني ، على أمر الله !

فربطه كما أمره ، ثم حد شفرته وتله للجبين ، ثم أدخل الشفرة لحلقه ، فقلبها الله لقفاها ، ثم اجتذبها إليه ليفرغ منه ، فنودي : أن ياإبراهيم قد صدقت الرؤيا ، هذه ذبيحتك فداء لابنك فاذبحها .

وقيل : جعل الله على حلقه صحيفة نحاس . قال ابن عباس : خرج عليه كبش من الجنة قد رعى فيها أربعين خريفا ، وقيل : هو الكبش الذي قربه هابيل ، وقال علي - عليه السلام - : كان كبشا أقرن أعين أبيض . وقال الحسن : ما فدي إسماعيل إلا بتيس من الأروى هبط عليه من ثبير فذبحه ، قيل بالمقام ، وقيل : بمنى في المنحر .

التالي السابق


الخدمات العلمية