الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الإعـلان من منظـور إسلامي

الدكتور / أحمد عيساوي

أولا: الإعلان شكل من أشكال الثقافة

إن الثقافة -كما أسلفنا- رؤية شمولية للحياة والفرد والمجتمع، تجسد الوجدان الحي، والفكر الخلاق، والذوق السليم، والخلق القويم في السلوك الإنساني في الحياة، فهي لا تعدو أن تكون نمطا للحياة، وأسلوبا للتعايش والبناء الحضاري.

وإذا كان الاتصال بمعناه العام والخاص، يعتبر -كما أوضحنا- شكلا من أشكال التواصل الشامل في الحياة، تنتقل بواسطته الرسائل والمضامين الإنسانية، فإن انقطاع أو فقدان الاتصالات الشاملة بين أفراد الإنسانية يؤدي إلى ركود المجتمعات وبقائها في حالة كمونية جامدة، أو سكونية غير قادرة على العطاء والتواصل الحضاري. إذ بواسطة الاتصال تتحرك مختلف الرسائل، والمضامين، والمحتويات الثقافية والاجتماعية، بين جمهور المرسلين وجمهور المستقبلين، بهدف إحداث التأثير المطلوب الذي يساهم بدوره في تفتيح الرؤى، وتنوير البصائر، وفتح الآفاق، وفسح المجالات الواعية والفاعلة أمام الإنسانية الراشدة، التي تشكل -بنفسها- قطبي الإرسال والاستقبال معا.

ولو حاولنا إفراغ الاتصال من محتواه الاجتماعي والثقافي، ونظرنا إليه من جانبه الهندسي التقني البحت، لوجدنا أنه قد أصبح مجرد [ ص: 146 ] إرسال اهتزازي بين طرفين جامدين لا حياة فيهما، ولافتقد الاتصال الإنساني معناه، فهو بذلك أشبه بسريان التيار الكهربائي، أو سريان الحرارة في الخط الهاتفي. وعلى هذا الأساس، تتضح أهمية المحتويات الاجتماعية والثقافية والرمزية بالنسبة للرسالة الإعلانية. هذه الرسالة التي يجب أن تتشبع مضامينها بالمحتويات الثقافية والاجتماعية والرمزية، لتمنح الجمهور المستقبل نوعا من الإشباع والطمأنينة الاجتماعية والثقافية حيال مضامين الرسالة الإعلانية.

والمتمعن في المحتويات الثقافية والاجتماعية والرمزية لمضامين الرسالة الإعلانية، يتبين أن محورها الثقافي الرئيس هو الإنسان -مرسلا كان أم مستقبلا- ذلك الكائن الاجتماعي بفطرته، المدني بطبعه، المتحضر بمناطاته الاستخلافية وجبلته التعبدية الاستعمارية.

وهذا الإنسان المثقف، إما أن يصنع الثقافة بتأليهه لنفسه ومضاهاته لخالقه، وبالتالي يبدع لنفسه ولمن حوله ثقافة وثنية جاهلية تقوم على ضلال وظلام، أو أنه يصنع الثقافة مهتديا بالوحي ومعالم التنزيل القرآنية، وتطبيقاتها النبوية الشريفة، وممارساتها القويمة في القرون الأولى، المشهود لها بالخيرية، يبدعها بما ادخر الله فيه من قدرات وإمكانات وطاقات ومواهب لما تتطلبه مناطات وظيفة الاستخلاف، الأمر الذي يؤهله -عبر تفاعله الاجتماعي تاريخيا- لتكوين تراكم ثقافي مستنير بهدي من الله ورضوان، يتوارثه جيلا [ ص: 147 ] بعد جيل، ممارسا حقه في الاتصال، فيمنح لرسائله ومضامينه محتوياتها الثقافية تبعا لأطره ومحدداته المرجعية.

والمتمعن في عمليات الاتصال عموما، يتبين أنها عمليات وظواهر لصيقة الصلة بالنشاط الإنسـاني، وأن المتصل -مـرسـلا كان أم مستقبلا- إنسان بالدرجة الأولى. هذا الإنسان الذي يختزل عقائده وتصوراته، وثقافته، ورموزه، وقيمه، ومثله العليا، عبر رموز يشحن بها رسائله ومضامينه الإعلانية.

وعلى هذا الأساس الإنساني الشمولي، فإن الإعلان كمجال من مجالات الاتصال الواسعة، يعتبر شكلا من أشكال التواصل والتبادل الثقافي والاجتماعي، منطلقا ووسيلة وممارسة وغاية، يضع الإنسان المرسل فيه رسائله الثقافية والاجتماعية والرمزية، عبر السلع والمنتجات والخدمات والتسهيلات... التي هي -في صميمها- نتاج للتراكمات الثقافية والاجتماعية الإنسانية عبر التاريخ.

وما دام الإعلان ومضمونه ثقافة، فما هي إذن المكونات الثقافية للإعلان عامة ا وللإعلان الإسلامي خاصة ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية