الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
فإن الناس في كونه فوق العرش والعالم قولان مشهوران لعامة الطوائف من المتكلمين وأهل الحديث والفقهاء والصوفية من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم.

أحدهما أنه مجرد نسبة وإضافة بين المخلوق والخالق أو بين العرش والرب تجددت بخلقه للعرش من غير أن يكون هو في نفسه تحرك أو تصرف بنفسه شيئا، وهذا قول من يقول: يمتنع حدوث الحوادث بذاته، وتمتنع الحركة عليه.

والقول الثاني: هو المشهور عن السلف وأئمة أهل الحديث وكثير من أهل الكلام والفقهاء والصوفية من الطوائف الأربعة وغيرهم أنه استوى عليه بعد أن خلق السموات والأرض، كما دل عليه القرآن، فيكون قد استوى عليه بعد أن لم يكن مستويا عليه، وكذلك استواؤه إلى السماء ومجيئه وإتيانه، كما وردت بذلك النصوص المتواترة الصحيحة، وعلى هذا التقدير فليس في ذلك انقلاب لذاته، بل قد ذكر هو أن ليس في الأدلة [ ص: 804 ] العقلية ما يحيل ذلك .

الوجه الثالث: أن يقال تحيزه واجب، ويجزم بذلك بناء على أن نفس العرش ليس بحيز بل الحيز تقدير المكان، ومن قال بذلك فهم في جواز الحركة عليه على قولين، فمن قال بالامتناع يقول: إنه لما خلق العرش تجددت بينه وبين العرش نسبة ولم يتغير عما كان موصوفا به، إن وصفه بأنه متحيز، فإنا قد ذكرنا للقائلين بأنه على العرش في ذلك قولان.

وقد يقول إن حصوله في الحيز المعين واجب، ومن قال ذلك يجيب عن أوجهه الخمسة: أما الوجه الأول؛ فمبني على تماثل المتحيزات، وقد تقدم أن هذا باطل.

وأما قوله في الوجه الثاني أنه لو وجب حصوله في الجهة وامتنع حصوله في غيرها لكانت تلك الجهة مخالفة لغيرها في الحقيقة، فتكون موجودة، فيكون مع الله قديم غيره تعالى يقال له هؤلاء لا يقولون إن الحيز الذي يجب لله أمرا [ ص: 805 ] موجودا منفصلا عنه، بل هو عندهم أمر عدمي بينه وبين الله نسبة وإضافة إذ هو تقدير المكان، وذلك لا يقتضي وجود موجود غيره كما أنه لما كان في الأزل لا في زمان لا في تقدير الزمان لم يقتض ذلك وجود قديم آخر مع الله، ومن قال إن تقدير الزمان وتقدير المكان وجوديان، قال بقدمهما جميعا كما يقول ذلك طائفة من الصابئة ومن اتبعهم، ثم قد يقولون: إن ذلك لازم لواجب الوجود نفسه، وقد يقولون عن القدماء خمسة: الزمان، والمكان، والنفس، والهيولى، وواجب الوجود [ ص: 806 ] بنفسه، كما يقول ذلك بعض الصابئين ومن اتبعهم كديمقراطيس.

والغرض أن المسلمين الذين يقولون ليس مع الله قديم منفصل عنه موجود لا يقولون إن الحيز موجود، وقد تقدم [ ص: 807 ] الدليل على ذلك، وقد قال هو بعد هذا إنه قبل خلق العالم ما كان إلا الخلاء الصرف والعدم المحض، وذلك ينافي قوله إن الأحياز وجودية.

التالي السابق


الخدمات العلمية