الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
الوجه الثالث عشر: قوله: وإذا ثبت أنه ليس بجسم ولا جوهر وجب أن لا يكون في شيء من الأحياز والجهات.

[ ص: 216 ] يقال له: هذا مما ينازعك فيه كثير من أصحابك وغيرهم من متكلمي الصفاتية ويقولون: قد يكون في الجهة ما ليس بجسم، وهذا هو الذي سلمته لهم في أشرف كتبك وهو نهاية العقول، قال: المسألة الثالثة في أنه تعالى ليس في الجهة، وقبل الخوض في الاستدلال لابد من البحث عما لا يكون جسما هل يعقل حصوله في الجهة أم لا؟ فإن لم يعقل حصوله كانت الدلالة على نفي الجسمية كافية في نفي الجهة.

قال: وزعم من أثبت الجهة ونفى الجسمية أنا نعلم بالضرورة اختصاص الأكوان بالجهات المخصوصة مثل [ ص: 217 ] الكون القائم بأعلى الجدار والكون القائم بأسفله، ولا يضرنا في ذلك ما يقال: الأكوان إنما تحصل في الجهات على طريق التبعية لمحلها؛ لأنا نقول: الحصول في الجهة أعم من الحصول في الجهة بالاستقلال أو التبعية، وتسليم الخاص يتضمن تسليم العام، فإذا سلمتم اختصاص الأكوان بالجهات على سبيل التبعية فقد سلمتم اختصاص الأكوان بالجهات، ومتى ثبت ذلك ثبت أنه لا يلزم من نفي كون الشيء جسما نفي اختصاصه بالحيز والجهة.

قال: وإذا ثبت ذلك وجب علينا بعد الفراغ من نفي [ ص: 218 ] الجسمية عن الله إقامة الدليل على نفي حصوله في الحيز والجهة ثم احتج على ذلك بما تكلمنا عليه في موضعه لما ذكرناه.

فهذا الكلام وإن كان لمن قال بالأول أن يقول: يلزم من نفي كون الشيء جسما أو قائما بجسم نفي اختصاصه بالحيز والجهة لكن المقصود هنا أن كثيرا من الصفاتية أهل الكلام كأبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب وأبي الحسن الأشعري وغيرهم من أئمة الصفاتية المتكلمين من يقول: ليس بجسم ولا جوهر، ويقول مع ذلك إنه فوق العرش كما قرروه في كتبهم لكن من هؤلاء من يطلق لفظ الجهة ومنهم من لا يطلق لفظ الجهة ولفظ الحيز، وهذا قول طوائف من الفقهاء أهل المذاهب الأربعة ومن الصوفية وأهل الحديث وغيرهم [ ص: 219 ] يجمعون بين نفي الجسم وبين كونه نفسه فوق العرش.

التالي السابق


الخدمات العلمية