الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما قولك: لا يكون هو فوق جميع الأشياء بل تكون الأحياز أشد فوقية، فهذا تمسك بإطلاق لفظ مع أنك لا تقول بمعناه فهو عندك أيضا ليس فوقه شيء من الأشياء، فضلا عن أن تكون فوقه جميعها إلا بمعنى القدرة والتدبير، وهذا المعنى يثبته المنازع مع إثباته لهذه الفوقية الأخرى، فيكون قد [ ص: 758 ] أثبت ما تثبته من صفات الكمال، ويثبت كمالا آخر لم تثبته أنت.

وأيضا: فتلك الأحياز ليست شيئا أصلا؛ لأن الأشياء هي الموجودة ولا موجود إلا الله وخلقه، وهو فوق خلقه، وإذا لم تكن أشياء لم يصح أن يكون شيء فوقه، وكان هو فوق كل شيء.

وأما خلق جسم هناك فلم يذكر على امتناعه حجة إلا أن الخصم لا يقول به، والخصم يقول ذلك ممتنع لامتناع أن يكون شيء موجود فوق الله، فإن سلمت له هذه العلة كان ذلك جوابا لك، وإن لم تسلمها لم يكن مذهبه صحيحا، فلا تحتج به وقد تقدم كلامك على إبطال مثل هذه الحجة وهي الإلزامات المختلفة المآخذ.

وأيضا فلو قال قائل: بل ذلك جائز، فلم تذكر على إبطاله حجة لاسيما وعندك أن النقص على الله تعالى لم يعلم امتناعه بالعقل، وإنما علمته بالإجماع لاسيما إن احتج [ ص: 759 ] بظاهر قوله تعالى: يأتيهم الله في ظلل من الغمام [البقرة 210] وبقوله: كان في عماء، ما فوقه هواء، وما تحته هواء. لاسيما وهذا لا ينافي الفوقية والعلو بالقدرة والقهر [ ص: 760 ] والتدبير، وعندك لا يستحق الله الفوقية إلا بهذا، وهذا المعنى ثابت سواء خلق فوقه شيئا آخر أو لم يخلقه، فإذا لم يكن هذا مستحيلا على أصلك لم يصح احتجاجك باستحالته عند المنازع الذي ينازعك في المسألة، بل قد يقول لك: إذا لم يكن ما يمنع جواز ذلك إلا هذا فعليك أن تقول به؛ لأن هذا ليس بمانع عندك .

التالي السابق


الخدمات العلمية