الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أما في اللغة فإن أهل اللغة مطبقون على أن معنى الواحد في اللغة ليس هو الذي لا يتميز جانب منه عن جانب، ولا يرى منه شيء دون شيء؛ إذ القرآن وغيره من الكلام العربي متطابق [ ص: 147 ] على ما هو معلوم بالاضطرار من لغة العرب وسائر اللغات أنهم يصفون كثيرا من المخلوقات بأنه واحد، ويكون ذلك جسما؛ إذ المخلوقات إما أجسام وإما أعراض عند من يجعلها غيرها وزائدة عليها، وإذا كان أهل اللغة متفقين على تسمية الجسم الواحد واحدا امتنع أن يكون في اللغة معنى الواحد الذي لا ينقسم إذا أريد بذلك أنه ليس بجسم وأنه لا يشار إلى شيء منه دون شيء، وسيأتي بيان هذا ونذكر ما في اللغة من ذكر الواحد مع كونه موصوفا ذا مقدار، بل لا يوجد في اللغة اسم واحد إلا على ذي صفة ومقدار؛ كقوله تعالى: خلقكم من نفس واحدة [الزمر 6] .

وقال: ذرني ومن خلقت وحيدا [المدثر 11] .

وقال: وإن كانت واحدة فلها النصف [النساء 11] وسئل النبي صلى الله عليه وسلم: يصلي الرجل في الثوب الواحد؟ فقال: أولكلكم ثوبان؟! وقال: لا يصل أحدكم [ ص: 148 ] في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء. وسيأتي بسط هذا إن شاء الله.

وأما العقل فهذا الواحد الذي وصفوه يقول لهم فيه أكثر العقلاء وأهل الفطر السليمة إنه أمر لا يعقل ولا له وجود في الخارج وإنما هو أمر مقدر في الذهن ليس في الخارج شيء موجود لا يكون له صفات ولا قدر ولا يتميز منه شيء عن شيء بحيث يمكن أن لا يرى ولا يدرك ولا يحاط به وإن سماه المسمي جسما.

وأيضا فإن التوحيد إثبات لشيء هو واحد فلابد أن يكون له في نفسه حقيقة ثبوتية يختص بها ويتميز بها عما سواه حتى يصح أنه ليس كمثله شيء في تلك الأمور الثبوتية ولا مجرد عدم المثل إذا لم يفد ثبوت أمر وجودي كان صفة للعدم؛ فنفي المثل والشريك يقتضي ما هو على حقيقة يستحق بها واحدا؛ ولهذا فسر ابن كلاب وغيره الواحد بأنه المنفرد عن غيره المباين له، وهذا المعنى داخل في معنى الواحد في الشرع وإن [ ص: 149 ] لم يكن إياه؛ ولذلك أهل الإثبات من أهل السنة والحديث يصنفون كتب التوحيد يضمنونها ثبوت الصفات التي أخبر بها الكتاب والسنة؛ لأن تلك الصفات في كتابه تقتضي التوحيد ومعناه.

وأما الشرع فنقول: مقصود المسلمين أن الأسماء المذكورة في القرآن والسنة وكلام المؤمنين المتفق عليه بمدح أو ذم يعرف مسميات تلك الأسماء حتى يعطوها حقها، ومن المعلوم بالاضطرار أن اسم الواحد في كلام الله لم يقصد به سلب الصفات وسلب إدراكه بالحواس ولا نفي الحد والقدر ونحو ذلك من المعاني التي ابتدع نفيها الجهمية وأتباعهم، ولا يوجد نفيها في كتاب ولا سنة ولا عن صاحب ولا أئمة المسلمين، قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي في كتابه الذي سماه نقض عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي [ ص: 150 ] العنيد فيما افترى على الله في التوحيد، وذكر أن بعض من كان بنواحيه ممن أظهر معارضة السنة والآثار بكلام بشر المريسي، وصنف في ذلك إلى أن قال: افتتح هذا المعارض كتابه بكلام نفسه منشئا لكلام المريسي مدلسا على الجهال بما فهم أن يحكى ويرى من قبله من الجهال ومن حواليه من الأغمار أن مذهب جهم والمريسي في التوحيد كبعض [ ص: 151 ] اختلاف الناس في الإيمان في القول والعمل والزيادة والنقصان وكاختلافهم في التشيع والقدر ونحوها؛ كيلا ينفروا من مذاهب جهم والمريسي أكثر من نفورهم من كلام الشيعة والمرجئة [ ص: 152 ] والقدرية.

التالي السابق


الخدمات العلمية