الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومثال السبعة : النعمان بن مقرن، وإخوته : معقل، وعقيل، وسويد، وسنان، وعبد الرحمن، وسابع لم يسم لنا، بنو مقرن المزنيون سبعة إخوة هاجروا وصحبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يشاركهم - فيما ذكره ابن عبد البر وجماعة - في هذه المكرمة غيرهم . وقد قيل: إنهم شهدوا الخندق كلهم . (والله أعلم).

وقد يقع في الإخوة ما فيه خلاف في مقدار عددهم .

[ ص: 1042 ]

التالي السابق


[ ص: 1042 ] 196 - قوله: (ومثال السبعة : النعمان بن مقرن، وإخوته : معقل، وعقيل، [ ص: 1043 ] وسويد، وسنان، وعبد الرحمن، وسابع لم يسم لنا، بنو مقرن المزنيون، سبعة إخوة هاجروا، وصحبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يشاركهم - فيما ذكره ابن عبد البر وجماعة - في هذه المكرمة سواهم) انتهى.

وفيه أمران:

أحدهما: أنه قد سمي لنا سابع وثامن وتاسع، وهم: نعيم بن مقرن، [ ص: 1044 ] وضرار بن مقرن، وعبد الله بن مقرن.

فأما نعيم فذكره ابن عبد البر في (الاستيعاب) فقال: "نعيم بن مقرن أخو النعمان بن مقرن، خلف أخاه حين قتل بنهاوند، وكانت على يديه فتوح كثيرة، وهو وإخوته من جلة الصحابة".

وأما ضرار بن مقرن فذكره الحافظ أبو بكر محمد بن خلف بن سليمان بن خلف بن فتحون في ذيله على (الاستيعاب) وأن خالد بن الوليد لما دخل الحيرة في أيام أبي بكر أمر ضرارا هذا على جماعة من المسلمين، وقال: "ذكره الطبري وسيف".

[ ص: 1045 ] وأما عبد الله بن مقرن فذكره ابن فتحون أيضا في ذيله على (الاستيعاب) وقال: "إنه كان على ميسرة أبي بكر رضي الله عنه في خروجه لقتال أهل الردة إثر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم" وقال: "ذكره الطبري وسيف" وذكره ابن منده وأبو نعيم أيضا في معرفة الصحابة، وهذا يدل على أنهم أكثر من سبعة، وقد قال الطبري: "إنهم كانوا عشرة إخوة" انتهى.

وإنما اشتهر كونهم سبعة لما روى مسلم في صحيحه من حديث سويد بن مقرن قال: "لقد رأيتني سابع سبعة من بني مقرن ما لنا خادم إلا واحدة، فلطمها أصغرنا، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعتقها".

ويحتمل أن من أطلق كونهم سبعة أراد من هاجر منهم، قال مصعب بن الزبير: هاجر النعمان ومعه سبعة إخوة، وسمى ابن عبد البر في (الاستيعاب) منهم ستة، وهم سنان وسويد وعقيل ومعقل بن النعمان، ونعيم، وسمى ابن فتحون في ذيله الباقين، وهم: ضرار وعبد الله وعبد الرحمن. وقال: إن عبد الرحمن ذكره في الصحابة الطبري وابن السكن. والله أعلم.

الأمر الثاني: أن ما حكاه المصنف عن ابن عبد البر وجماعة من انفراد بني مقرن بهذه المكرمة من كونهم السبعة، هاجروا، وصحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله [ ص: 1046 ] ابن عبد البر في (الاستيعاب) في ترجمة معقل بن مقرن، قال: "وليس ذلك لأحد من العرب سواهم، قاله الواقدي ومحمد بن عبد الله بن نمير" انتهى.

وفيما قالوه نظر؛ فإن أولاد الحارث بن قيس السهمي كلهم هاجر، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم، وعدهم ابن إسحاق فيمن هاجر الهجرة الأولى إلى أرض الحبشة سبعة، لم يعد فيهم تميما ولا حجاجا إلا في ذكرهما، وقد تتبعت أسماءهم، فوجدتهم تسعة بتقديم المثناة، وهم: بشر وتميم والحارث [ ص: 1047 ] والحجاج والسائب وسعيد وعبد الله ومعمر وأبو قيس [ ص: 1048 ] أولاد الحارث بن قيس السهمي، وسمى الكلبي معمر بن الحارث معبدا، والمشهور الأول.

وقد ذكر ابن عبد البر في (الاستيعاب) التسعة المذكورين، كل واحد في موضعه، وأنهم هاجروا إلى أرض الحبشة، وقال في ترجمة سعيد بن الحارث: "هاجر هو وإخوته كلهم إلى أرض الحبشة".

فهؤلاء تسعة إخوة، هاجروا، وصحبوا النبي صلى الله عليه وسلم، وهم أشرف نسبا في الجاهلية والإسلام، وزادوا على بقية الإخوة بأن استشهد منهم سبعة في سبيل الله، فقتل نعيم والحارث والحجاج بأجنادين، وقتل سعد يوم اليرموك، وقتل السائب يوم فحل، وقيل: يوم الطائف، وقتل عبد الله يوم الطائف، وقيل: باليمامة، وقال الطبري: إنه مات بالحبشة مهاجرا في زمنه صلى الله عليه وسلم، وقتل أبو قيس يوم اليمامة.

واعترض الحافظ أبو بكر محمد بن خلف بن فتحون [ ص: 1049 ] على ابن عبد البر في هذا الإطلاق في كتابه (التنبيه على ما أوهمه ابن عبد البر ووهم فيه) بأن معاوية بن الحكم السلمي وإخوته الستة في مثل عددهم وفضيلتهم، ثم روى من طريق أبي علي بن السكن بإسناده إلى معاوية بن الحكم قال: وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وستة إخوة لي، فأبرز علي بن الحكم فرسه خندقا، فقصرت الفرس، فدق جدار الخندق ساقه، فأتينا به النبي صلى الله عليه وسلم فمسح ساقه، فما نزل عنها حتى برأ، قال معاوية بن الحكم في قصيدة:


فأنزلها علي فهو يهوي هوي الدلو تنزعه برجل فعصب رجله فسما عليها
سمو الصقر صادف يوم طل



[ ص: 1050 ]

فقال محمد صلى عليه مليك الناس قولا غير فعل
لعا لك فاستمر بها سويا وكانت بعد ذاك أصح رجل

قلت: والحديث رواه الطبراني في (المعجم الكبير) مع اختلاف في إيراد الشعر، وفي غيره، ولم يقل فيه: إنه وفد ومعه ستة إخوة، وأيضا في إسناده جهالة، وأيضا فلم يقل فيه: إنهم هاجروا حتى يعدوا مهاجرين، فلعلهم وفدوا عام قدوم الوفود و"لا هجرة بعد الفتح" وأيضا فلم تعرف بقية أسمائهم، [ ص: 1051 ] وإنما سمي منهم معاوية وعلي وعمر، إن كان مالك حفظه، وإلا فقد قال علي بن المديني والبخاري: "إن مالكا وهم في قوله: عمر بن الحكم، وإنما هو معاوية بن الحكم" والله أعلم.




الخدمات العلمية