الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
مسألة

وهل القراءة في المصحف أفضل ، أم على ظهر القلب ، أم يختلف الحال ؟ ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها من المصحف أفضل ; لأن النظر فيه عبادة ، فتجتمع القراءة والنظر ، وهذا قاله القاضي الحسين والغزالي ، قال : وعلة ذلك أنه لا يزيد على . . . . وتأمل المصحف وجمله ، ويزيد في الأجر بسبب ذلك . وقد قيل : الختمة في المصحف بسبع ; وذكر أن الأكثرين من الصحابة كانوا يقرءون في المصحف ، ويكرهون أن يخرج يوم ولم ينظروا في المصحف .

ودخل بعض فقهاء مصر على الشافعي رحمه الله تعالى المسجد وبين يديه المصحف ، فقال : شغلكم الفقه عن القرآن ، إني لأصلي العتمة ، وأضع المصحف في يدي فما أطبقه حتى الصبح .

وقال عبد الله بن أحمد : كان أبي يقرأ في كل يوم سبعا من القرآن لا يتركه نظرا .

وروى الطبراني من حديث أبي سعيد بن عوذ المكي عن عثمان بن عبد الله بن أوس [ ص: 94 ] الثقفي عن جده ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قراءة الرجل في غير المصحف ألف درجة ، وقراءته في المصحف تضاعف على ذلك إلى ألفي درجة ، وأبو سعيد قال فيه ابن معين : لا بأس به .

وروى البيهقي في شعب الإيمان من طريقين إلى عثمان بن عبد الله بن أوس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قرأ القرآن في المصحف كانت له ألف ألف حسنة ، ومن قرأه في غير المصحف فأظنه قال كألفي حسنة . وفى الطريق الأخرى : قال درجة ، وجزم بألف إذا لم يقرأ في المصحف .

وروى ابن أبي داود بسنده عن أبي الدرداء مرفوعا : من قرأ مائتي آية كل يوم نظرا شفع في سبعة قبور حول قبره ، وخفف العذاب عن والديه ، وإن كانا مشركين .

وروى أبو عبيد في فضائل القرآن بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فضل القرآن نظرا على من قرأ ظاهرا كفضل الفريضة على النافلة . وبسنده عن ابن عباس ، قال : كان عمر إذا دخل البيت نشر المصحف يقرأ فيه .

وروى ابن أبي داود بسنده عن عائشة مرفوعا : النظر إلى الكعبة عبادة ، والنظر في وجه الوالدين عبادة ، والنظر في المصحف عبادة .

وعن الأوزاعي : كان يعجبهم النظر في المصحف بعد القراءة هنيهة . قال بعضهم : وينبغي لمن كان عنده مصحف أن يقرأ فيه كل يوم آيات يسيرة ولا يتركه مهجورا .

[ ص: 95 ] والقول الثاني : أن القراءة على ظهر القلب أفضل ، واختاره أبو محمد بن عبد السلام ، فقال في " أماليه " قيل القراءة في المصحف أفضل لأنه يجمع فعل الجارحتين ، وهما اللسان والعين ، والأجر على قدر المشقة ، وهذا باطل ; لأن المقصود من القراءة التدبر ، لقوله تعالى : ليدبروا آياته ( ص : 29 ) ; والعادة تشهد أن النظر في المصحف يخل بهذا المقصود ، فكان مرجوحا .

والثالث : واختاره النووي في " الأذكار " إن كان القارئ من حفظه يحصل له من التدبر والتفكر وجمع القلب أكثر مما يحصل له من المصحف فالقراءة من الحفظ أفضل ، وإن استويا فمن المصحف أفضل ، قال : وهو مراد السلف .

التالي السابق


الخدمات العلمية