الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وجازت مبادلة القليل المعدود دون سبعة )

                                                                                                                            ش : المبادلة بيع المسكوك بالمسكوك من نوعه عددا من غير وزن قال ابن عبد السلام : فإنه إن دخل الميزان فيها عادت مراطلة والنظر يوجب منعها على الوجه الذي ذكروه ; لأن الشرع طلب المساواة في القدر ، والعلم بها غير حاصل في المبادلة فلا يجوز قصد المعروف على انفراده لا يصلح أن يكون مخصصا لتلك العمومات الدالة على طلب المساواة فإن الحق في طلب المساواة ليس حق آدمي ، بل هو من حق الله تعالى انتهى ، وقال في التوضيح والأصل منعها إلا أنهم رأوا أنه لما كان التعامل بالعدد رأوا أن النقص يجري مجرى الرداءة والكمال يجري مجرى الجودة ولأنه لما كان النقص حينئذ لا ينتفع به صار إبداله معروفا والمعروف يوسع فيه ما لم يوسع في غيره بخلاف التبر وشبهه انتهى ، ثم قال بعد ذلك : ورأوا أن قصد المعروف يخصص العمومات ، كما في القرض ألا ترى أن بيع الذهب بالذهب نسيئة ممتنع فإذا كان على وجه القرض جاز ، وقال ابن عرفة : المبادلة ابن بشير بيع العين بمثله عددا والمذهب حرمة بيع دينار بدينارين قال اللخمي وأجازه المخزومي وعلى المعروف إن اتحدا في القدر والصفة والعدد فواضح انتهى . ويريد في التعامل بالعدد وأما لو كان التعامل وزنا فلم تجز إلا بالوزن وتعود مراطلة ، كما سيأتي في كلام التوضيح .

                                                                                                                            ( تنبيه ) وأما الطعام فيجوز مبادلة المأكول والمعفون منه بالصحيح السالم على وجه المعروف في القليل والكثير على ما وقع في رسم القبلة من سماع ابن القاسم من الصرف وما أوقع في رسم التسمية من سماع عيسى من البيوع ومنع من ذلك أشهب كالدنانير الكثيرة النقص بالوازنة فلم يجز المعفون بالصحيح ولا الكثير العفن بالخفيف انتهى . من رسم القبلة من سماع ابن القاسم من الصرف .

                                                                                                                            وللمبادلة شروط ( الأول ) أن تكون في القليل ، ثم فسره بقوله " دون سبعة " قال في التوضيح " فلا يجوز له بدل سبعة بأوزان منها لزيادتها على ضعف أقل الجمع ويجوز في الثلاثة اتفاقا ; لأنه أقل الجمع ، ومذهب المدونة الجواز فيما بينهما انتهى . وقال ابن عبد السلام لا أصل لهذا التحديد إلا ما تدل العادة على المسامحة فيه وأشار إلى الشرط الثاني ، بقوله " المعدود " يعني أن من شرط جواز المبادلة أن تكون في المعدود ، أي في الدراهم والدنانير التي يعامل بها عددا ، قال ابن عبد السلام فلا تجوز إلا في الدنانير ، والدراهم إذا كان التعامل بها عددا وأما إذا كان كالمجموعة وشبهها أو كان الذهب أو الفضة تبرا أو مصوغا فلا تجوز إلا بالوزن فتعود مراطلة ; لأنه إذا كان التعامل عددا صار البعض اليسير [ ص: 333 ] يجري مجرى الرداءة والكمال مجرى الجودة بخلاف التبر ونحوه انتهى . ونحوه في التوضيح ، وقال فيه أيضا في قول ابن الحاجب : المبادلة لقب في المسكوكين عددا وهي جائزة في العددي دون الوزني لا يقال في كلامه الثاني تكرار مع الأول ; لأن الأول أفاد أن المبادلة بيع مسكوك بمسكوك عددا ، وهو أعم من أن يكون التعامل في ذلك المسكوك وزنا أو عددا والثاني أفاد اشتراط أن يكون التعامل في ذلك المسكوك بالعدد لا بالوزن انتهى .

                                                                                                                            ص ( بأوزن منها بسدس سدس )

                                                                                                                            ش : قوله : بأوزن ، هذا شرط ثالث ، وهو أن تكون الزيادة في الوزن ، واحترز بذلك من الزيادة في العدد فلا تجوز المبادلة قاله في التوضيح ، وقاله القباب ، وحكاه عن المازري ونصه الثاني من الشروط أن يتساوى عدد الناقص والوازن فإن اختلف العدد منع منه وعلى هذا اعتمد المازري ، وقال : إنه المعروف من المذهب ، وإن أهل المذهب لم يذكروا غيره ، وإن كان اللخمي نسب للمغيرة إجازة بدل دينار بدينارين من سكة واحدة ولم يرض المازري هذا ورأى أنه مأخوذ من المسألة التي تكلم عليها أشهب مع المخزومي في جمل نقد بجملين مثله أحدهما نقد والآخر إلى أجل فألزمه دينارا بدينارين أحدهما نقدا ، والآخر إلى أجل فالتزمه وعابه وبينهما خلاف في الملتزم من هو انتهى ، ثم ذكر أن المعتبر الشخوص قال فعلى مذهب من منع أكثر من ثلاثة لا يجوز بدل أربع قراريط ناقصة بأربع قراريط وازنة ا هـ .

                                                                                                                            يعني : أنه لا يقال إن الأربعة قراريط أقل من ثلاثة دراهم ; لأن المعتبر الشخوص ، وقوله : بسدس سدس ، هذا شرط رابع ذكره ابن شاس وابن الحاجب وابن جماعة التونسي ، وقال ابن عرفة أطلق اللخمي والصقلي والمازري والجلاب والتلقين وغير واحد القول في قدر النقص ، وهو ظاهر ما نقله الشيخ ، وقال ابن رشد في سماع ابن القاسم المتقدم : ظاهر هذه الرواية جواز بدل الطعام المعفون بالصحيح السالم على وجه المعروف في القليل والكثير ومنع ذلك أشهب كالدنانير الكثيرة النقص قال ابن عرفة : ( قلت ) فظاهره أي كلام اللخمي والصقلي والمازري والجلاب والتلقين وابن رشد الاتفاق على منعه في الدنانير الكثيرة النقص ولم يحدوا فيه حدا ، وهو اختيار بعض من لقيناه ، وقال ابن شاس : أبلغ ما اعتبر من النقص سدس دينار وقيل : دانقان وعزا ابن عبد السلام الأول للمدونة وفيه نظر ; لأنه لم يذكره تحديدا ، بل فرضا ، ونصها : " ولو أبدل ستة دنانير فنقص سدسا سدسا بستة وازنة فلا بأس به ا هـ . وقال القباب في شرحه : أكثر الشيوخ لا يذكرون هذا الشرط ، وقد جاء لفظ السدس في المدونة ، وهو محتمل للتمثيل والشرطية قد نص اللخمي على جواز بدل دينار بدينارين على مذهب المغيرة وتعقبه المازري ولم يذكر في تعقبه عليه [ ص: 334 ] أن بين الدينار الواحد والدينارين أكثر من سدس فهذا اللخمي والمازري مقتضى كلامهما عدم اعتبار هذا الشرط ا هـ . وقال ابن عبد السلام : وعندي أن السدس كثير ولا ينبغي أن يجوز من ذلك إلا ما جرت العادة أن يسامح فيه عند رخص الفضة أو كساد البيع ا هـ .

                                                                                                                            ( تنبيه ) قال في التوضيح ومن شرط المبادلة أن تكون بلفظ المبادلة وأن تكون بغير المراطلة وأن تكون واحدا بواحد احترازا من واحد باثنين ا هـ . وقال قبله قال اللخمي : ويشترط في الجواز أن تكون السكة واحدة ا هـ .

                                                                                                                            ( قلت ) هذا يتفرع على المسألة الآتية في قوله : والأجود أنقص أو أجود سكة ممتنع ، وقال القباب وزاد بعض المتأخرين في جواز المبادلة أن تكون على وجه المعروف لا على وجه المكايسة وهو مأخوذ من لفظ المدونة ، أن تكون يدا بيد ولا أظنه يختلف فيه ا هـ .

                                                                                                                            ( قلت ) ويؤخذ اشتراط كونها على وجه المعروف من كلام المؤلف الآتي .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية