الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فإذا قيل: قول القائل في الله إنه غير متناه، بمعنى أن ذاته لا تقبل الوصف بالنهاية وعدمها كان ذلك بمنزلة قول القائل إن الله ليس بأصم ولا ميت ولا جاهل، بمعنى أن ذاته لا تقبل الوصف بهذه الصفات وعدمها، فيكون المعنى حينئذ أنه لا يقال أصم ولا يقال غير أصم، ولا يقال ميت ولا يقال غير ميت، وهذا شر من أقوال الملاحدة الذين يمتنعون من إثبات الأسماء [ ص: 781 ] الحسنى له ونفيها؛ فإن أولئك يقولون: لا نقول حي ولا غير حي، بل يسلبون أضدادها، فيقولون: هو ليس بميت ولا جاهل، وإن كان هذا الذي قالوه يستلزم عدمه، كما تقدم، لكن ليس ظهور عدمه في ذلك كظهوره في قول القائل لا يوصف بالموت ولا بعدمه، ولا بالعجز ولا بعدمه، كما لا يوصف بالقدرة ولا بعدمها، ولا بالحياة ولا عدمها، بمعنى أن ذلك لا يجوز أن يوصف بشيء من ذلك لا نفيا ولا إثباتا؛ فإن هذا حال المعدوم المحض.

وإذا كان كذلك فقول القائل أنا أقول إن الله غير متناه في ذاته بمعنى أن ذاته لا تقبل أن توصف بالتناهي وعدمه؛ لأن ذلك من عوارض ذات المقدار، كما لا يوصف بالطول وعدمه، ولا بالقصر وعدمه، ولا بالاستدارة والتثليث والتربيع وعدم ذلك؛ لأن ذلك من عوارض المقدار، وهو التجسيم والتحيز، جمع بين النقيضين؛ لأن قوله: غير متناه في ذاته. يفهم المقدار الذي لا يتناهى وهو البعد الذي لا يتناهى كما إذا قيل إنه لا نهاية له في أزله. أفهم ذلك البقاء الذي لا يتناهى [ ص: 782 ] والأزل الذي لا يتناهى، وهو عمر الله الذي لا يتناهى كما يحلف به، فيقال: لعمر الله، كما حلف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بذلك.

وقولهم بعد ذلك لا يقبل الوصف بالتناهي وعدمه نفي لما أثبتوه من كون غير متناه، وكذلك قوله: امتنع أن يكون له طرف ونهاية وحد. وهذا يفهم منه أن ذاته غير متناهية، فلا نهاية لها، وهو إنما أراد أن ذاته لا يجوز إثبات النهاية لها ولا سلبها عنها، وهذا الثاني صفة المعدوم؛ فالحاصل أنهم في هذا المقام إما أن يفسروا سلب النهاية بما هو صفة المعدوم أو بما يستلزم وجودا غير متناه في نفسه، فإن قالوا: إن وجود ذلك الموجود غير متناه في نفسه. فهذا قول من [ ص: 783 ] يقول إن ذات الله لا نهاية لها، وإن قالوا: إن ذاته لا يجوز أن يعتقد أو يقال فيها إنها متناهية أو أنها غير متناهية؛ لأنها لا تقبل الاتصاف بذلك، فهذا صفة المعدوم سواء، فأحد الأمرين لازم إما تمثيل ربهم بالمعدوم، وإما القول بأبعاد لا نهاية لها.

التالي السابق


الخدمات العلمية