الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( و ) إن قال ( إذا طهرت فأنت طالق وكانت حائضا طلقت إذا انقطع الدم ) وإن لم تغتسل لوجود الطهر ( وإن كانت طاهرا ) حين التعليق ( ف ) لا تطلق ( حتى تطهر من الحيضة المستقبلة ) لأنه علقه بإذا وهي لما يستقبل فلا تطلق إلا بطهر مستقبل ( فإن قالت ) من علق طلاقها بحيضها ( قد حضت وكذبها قبل قولها في نفسها ) لقوله تعالى { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } قيل هو الحيض فلولا أن قولها مقبول فيه ما حرم عليها كتمانه ولأنه لا يعرف إلا من جهتها ( مع يمينها ) لاحتمال صدقه .

                                                                                                                      وقال في المبدع بغير يمين في ظاهر المذهب وقال في شرح المنتهى من غير يمين على الأصح وحيث قبل قولها في الحيض ( وقع ) الطلاق المعلق عليه كما لو ثبت بالبينة ( كقوله إن أضمرت بغضي فأنت طالق فادعته ) أي إضمار بعضه فيقبل قولها فيه لأنه لا يعلم إلا من جهتها ويقع الطلاق .

                                                                                                                      و ( لا ) يقبل قولها في ( دخول الدار ونحوه ) كقدوم زيد وغيره ( مما يمكن إقامة البينة عليه ) فلا يقبل قولها فيه إلا ببينة ( ولو حلفت ) لعموم حديث { البينة على المدعي واليمين على من أنكر } قال في المنتهى ولا في ولادة إن لم يقر بالحمل ( وإن قال ) الزوج بعد أن علق طلاقها على الحيض ( قد حضت فأنكرته طلقت ) مؤاخذة له ( بإقراره ) لأنه قد أقر على نفسه بما يوجب بطلان النكاح فلزمه مقتضى إقراره ( وإن قال ) لإحدى زوجتيه ( إن حضت فأنت وضرتك طالقتان فقالت قد حضت وكذبها طلقت وحدها ولو صدقتها الضرة ) لأن قولها مقبول في حق نفسها دون ضرتها ( فإن أقامت ) من ادعت الحيض ( بينة بذلك ) أي بحيضها ( بأن اختبرتها ) أي النساء الثقات .

                                                                                                                      ولعل المراد الجنس فيتناول [ ص: 294 ] الواحدة كما يأتي في الشهادات ( بإدخال قطنة في فرجها زمن دعواها الحيض فإن ظهر دم ) في القطنة ( فهي حائض طلقتا ) لثبوت الحيض المعلق عليه طلاقهما ( وإن قال ) الزوج ( قد حضت وأنكرته ) المقول لها ذلك وحدها أو مع ضرتها ( طلقتا ) مؤاخذة له ( بإقراره ) على نفسه .

                                                                                                                      ( و ) إن قال لزوجتيه ( إن حضتما فأنتما طالقتان فقالتا قد حضنا فإن صدقهما طلقتا ) لأنه أقر بوقوع الطلاق عليه بتصديقه ( وإن كذبهما لم تطلقا ) أي لم تطلق واحدة منهما لأن طلاق كل واحدة منهما معلق بشرطين حين حيض ضرتها ، وقول كل واحدة منهما على ضرتها غير مقبول .

                                                                                                                      ( وإن كذب إحداهما ) وصدق الأخرى ( طلقت ) المكذبة ( وحدها ) لأن قولها مقبول على نفسها وقد صدق الزوج ضرتها فوجد الشرطان في حقه ولم تطلق المصدقة لأن قول ضرتها مقبول في حقها ولم يصدقها الزوج فلم يوجد شرط طلاقها ( وإن قال ذلك لأربع ) أي قال لزوجاته الأربع إن حضتن فأنتن طوالق ( فقد علق طلاق كل واحدة منهن على حيض الأربع فإن كن ) أي الأربع ( قد حضن فصدقهن طلقن ) لوجود شرط طلاقهن ( وإن كذبهن لم تطلق واحدة منهن ) لعدم وجود شرط الطلاق لأن قوله كل واحدة منهن إنما يعمل به في حق نفسها دون ضراتها ( وإن صدق واحدة ) منهن ( أو ) صدق ( اثنتين لم يطلق منهن ) أي الأربع ( شيء ) لما سبق .

                                                                                                                      ( وإن صدق ثلاثا ) وكذب واحدة لم تطلق المصدقات لأن قول المكذبة غير مقبول عليهن و ( طلقت المكذبة وحدها ) لأن قولها مقبول في حق نفسها وقد صدق ضراتها فوجد الشرط في حقها ( وإن قال لهن ) أي لزوجاته الأربع ( كلما حاضت إحداكن ) فضرائرها طوالق ( أو ) قال ( أيتكن حاضت فضرائرها طوالق فقلن ) أي الأربع ( قد حضن فصدقهن طلقن ثلاثا ثلاثا ) لأن كل واحدة منهن لها ثلاث ضرائر ( وإن صدق واحدة ) وكذب الثلاث ( لم تطلق ) المصدقة لأن قول ضرائرها غير مقبول عليها ( وطلقت ضراتها طلقة طلقة ) لتصديقه إياها ( وإن صدق اثنتين ) منهن وكذب اثنتين ( وطلقت ) أي المصدقتان ( طلقة طلقة ) لأن لكل واحدة منهما ضرة مصدقة ( و ) طلقت ( المكذبتان ثنتين ) ثنتين لأن لكل منهما ضرتين مصدقتين .

                                                                                                                      ( وإن صدق ثلاثا ) وكذب واحدة ( طلقن ) أي المصدقات ( ثنتين ثنتين ) لأن لكل واحدة منهن لها ضرتان مصدقتان ( و ) طلقت ( المكذبة ثلاثا ) لأن لها ثلاث ضرات مصدقات .

                                                                                                                      ( و ) إن قال لزوجتيه ( إن حضتما حيضة فأنتما طالقتان طلقت كل [ ص: 295 ] واحدة ) منهما ( لشروعها ) أي الثانية وفي نسخة لشروعهما وهي أصوب موافقة للتنقيح وغيره ( في الحيض ) قال في الفروع : الأشهر تطلق بشروعهما انتهى وهو قول القاضي وغيره وقطع به في التنقيح وتبعه في المنتهى لأن وجود حيضة واحدة منهما محال فيلغو قوله حيضة ويصير كقوله إن حضتما فأنتما طالقتان والوجه الثاني لا يطلقان إلا بحيضة من كل واحدة منهما : كأنه قال إن حضتما كل واحدة حيضة فأنتما طالقتان .

                                                                                                                      صححه في الإنصاف وقال : قدمه في الفروع والمحرر والرعايتين والحاوي الصغير واختاره الشيخ الموفق والشارح والوجه الثالث : يطلقان بحيضة من إحداهما لأن الشيء يضاف إلى جماعة وقد فعله واحد منهم ، فلما كان هذا الفعل لا يمكن اشتراكهما فيه لأنه واحد كان وجوده من إحداهما كوجوده منهما والوجه الرابع لا تنعقد الصفة فلا تطلق واحدة منهما لأنه تعليق بالمستحيل فلا يقع كأنتما طالقتان إن صعدتما السماء قال في الإنصاف : وهذه المسألة مبنية على قاعدة أصولية وهي ما .

                                                                                                                      ( و ) إن ولدت الثاني ( ستة أشهر فأكثر ) من ولادة الأول ( وقد وطئ بينهما ف ) إنه يقع عليه ( ثلاث ) طلقات بولادة الذكر ، وطلقتان بولادة الأنثى ( لأن ) الولد ( الثاني حمل مستأنف ) من الوطء فوجبت العدة بالوطء بينهما .

                                                                                                                      ولا يمكن ادعاء أن تحمل بولد بعد ولد ، قاله في الخلاف وغيره وإن وطئها واحد بعد واحد وليس بينهما ستة أشهر فأكثر ( وأشكل السابق ) منهما ( فطلقة ) واحدة تقع ( بيقين ) لاحتمال أن يكون السابق الذكر ( ولغا ما زاد ) على الواحدة لأن الأصل عدم وقوعه ( والورع أن يلتزمهما ) أي الطلقتين لاحتمال أن يكون السابق الأنثى ( ولا فرق ) فيما تقدم ( بين من قلده حيا أو ميتا ) لأن الشرط ولادة ذكر أو أنثى وقد وجدت ولأن العدة تنقضي به وتصير به الأمة أم ولد ( وإن قال ) لزوجته ( إن كان أول ما تلدين ذكرا فأنت طالق واحدة وإن كان أنثى ف ) أنت طالق ( اثنتين فولدتهما ) أي الذكر والأنثى ( دفعة واحدة لم يقع بهما شيء ) لأن الأول فيهما فلم توجد الصفة ( وإن ولدتهما ) أي الذكر والأنثى ( دفعتين طلقت بالأول ) إن كان ذكرا فطلقة وإن كان أنثى فاثنتان لوجود الصفة ( وبانت بالثاني ) منهما أي انقضت عدتها به لأنه تمام الحمل فلا يقع ما علق بولادته ( وإن قال كلما ولدت ) فأنت طالق ( أو ) قال ( كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ثلاثة معا طلقت ثلاثا ) لأن الولادة تتعدد بتعدد الأولاد وكما تنسب الولادة إلى واحد من الثلاثة تنسب إلى كل واحد من الأخيرين وقد علق الطلاق بكل واحدة فيقع بكل ولادة طلقة .

                                                                                                                      ( وإن ولدتهم ) أي الثلاثة ( متعاقبين ) أي واحدا بعد واحد ( من حمل واحد طلقت بالأول طلقة و ) [ ص: 296 ] طلقت ( بالثاني ) طلقة ( أخرى ) لأن كلما للتكرار ( ولم تنقص عدتها به ) أي بالثاني ( لأنها ) أي العدة ( لا تنقضي إلا بوضع كل الحمل ) لقوله تعالى { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } ( وإن انقضت العدة بالثالث ولم تطلق به ) لأن العدة انقضت بوضعه والبائن لا يلحقها طلاق ، ذكر ذلك في المغني والكافي وغيرهما كالمنتهى وشرحه ( وذكر في الإنصاف أن عدتها تنقضي بالثاني ) من الأولاد ( وهو سهو ) إن لم يكن حمله على ما إذا كانت حاملا باثنين فقط .

                                                                                                                      ( وإن قال إن ولدت اثنين فأنت طالق للسنة فطلقة بطهرها ) من النفاس ، لأن الطلاق فيه بدعة ، وإن قال كلما ولدت فأنت طالق للسنة فولدت اثنين فطلقة بطهرها من النفاس ( ثم ) طلقة ( أخرى بعد طهر من حيضة ) ذكره القاضي قاله في شرح المنتهى .

                                                                                                                      وفي كلام المصنف هنا مخالفة للقواعد ولمنقول كلامهم ، فلذا حولته عن ظاهره ( وإن قال ) لزوجته ( إن كنت حاملا بغلام فأنت طالق واحدة وإن ولدت أنثى فأنت طالق اثنتين فولدت غلاما كانت حاملا به وقت اليمين تبينا أنها طلقت واحدة حين حلفه ) لوجود شرطهما لأنها كانت حاملا بغلام ( وانقضت عدتها بوضعه وإن ولدت أنثى طلقت بولادتها طلقتين ) لوجود شرطهما ( واعتدت بالقروء ) أي الحيض لأن الطلاق يقع عقب الولادة .

                                                                                                                      ( وإن ولدت غلاما وجارية وكان الغلام أولهما ولادة تبينا أنها طلقت واحدة ) حين حلفه لأنها كانت حاملا بغلام ( وبانت ) أي انقضت عدتها ( بوضع الجارية ولم تطلق بها ) كأنت طالق مع انقضاء عدتها ( وإن كانت الجارية ولدت أولا طلقت ثلاثا واحدة بحمل الغلام واثنتين بولادة الجارية ) لأن عدتها لم تنقض بوضعها لأنها ليست محل الحمل وإنما تنقضي بوضع الغلام بعدها .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية