الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( الثاني : نكاح المحلل ) سمي محللا لقصده الحل في موضع لا يحصل فيه الحل ( بأن يتزوجها ) أي المطلقة ثلاثا ( بشرط أنه متى أحلها للأول طلقها أو ) يتزوجها بشرط أنه متى أحلها للأول ف ( لا نكاح بينهما أو اتفقا عليه ) أي على أنه متى أحلها للأول طلقها أو لا نكاح بينهما قبله أي قبل العقد ولم يرجع عن نيته عند العقد .

                                                                                                                      ( أو نوى ) المحلل ( ذلك ) أي أنه متى أحلها للأول طلقها ( ولم يرجع عن نيته عند العقد وهو ) أي النكاح في الصور المذكورة ( حرام غير صحيح ) لقوله صلى الله عليه وسلم { لعن الله المحلل والمحلل له } رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن صحيح .

                                                                                                                      والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر وابنه وعثمان وهو قول الفقهاء من التابعين وروي ذلك عن علي وابن عباس .

                                                                                                                      وقال ابن مسعود { المحلل والمحلل له ملعونان على لسان محمد صلى الله عليه وسلم } وروى ابن ماجه عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { ألا أخبركم بالتيس المستعار ؟ قالوا بلى يا رسول الله قال هو المحلل لعن الله المحلل والمحلل له } وعن نافع عن ابن عمر { أن رجلا قال له : تزوجتها أحلها لزوجها لم يأمرني ولم يعلم قال لا ، إلا نكاح رغبة ، إن أعجبتك أمسكتها وإن كرهتها فارقتها وقال كنا نعده على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سفاحا وقال : لا يزالا زانيين وإن مكثا عشرين سنة } إذا علم أنه يريد أن يحلها وهذا قول عثمان وجاء رجل إلى ابن عباس [ ص: 95 ] فقال : " إن عمي طلق امرأته ثلاثا أيحلها له رجل ؟ قال : من يخادع الله يخدعه " ( ولا يحصل به ) أي بنكاح المحلل ( الإحصان ولا الإباحة للزوج الأول ) المطلق ثلاثا لفساده ( ويلحق فيه النسب ) للشبهة بالاختلاف فيه .

                                                                                                                      ( فلو شرط عليه قبل العقد أن يحلها لمطلقها ) ثلاثا وأجاب لذلك ( ثم نوى عند العقد غير ما شرط عليه وأنه نكاح رغبة صح قاله الموفق وغيره ) وعلى هذا يحمل حديث ذي الرقعتين وهو ما روى أبو حفص بإسناده عن محمد بن سيرين قال " قدم مكة رجل ومعه إخوة له صغار وعليه إزار من بين يديه رقعة ومن خلفه رقعة فسأل عمر فلم يعطه شيئا ، فبينما هو كذلك إذ نزغ الشيطان بين رجل من قريش وبين امرأته فطلقها ثلاثا فقال : هل لك أن تعطي ذا الرقعتين شيئا ويحلك لي ؟ قالت نعم إن شئت ، فأخبروه بذلك قال نعم فتزوجها فدخل بها فلما أصبحت دخلت إخوته الدار فجاء القرشي يحوم حول الدار ، وقال يا ويله غلب على امرأته ، فأتى عمر فقال يا أمير المؤمنين غلبت على امرأتي قال من غلبك ؟ قال ذو الرقعتين قال أرسلوا إليه فلما جاءه الرسول قالت له المرأة : كيف موضعك من قومك قال ليس بموضعي بأس قالت : إن أمير المؤمنين يقول لك : طلق امرأتك فقل لا والله لا أطلقها ، فإنه لا يكرهك فألبسته حلة فلما رآه عمر من بعيد قال الحمد لله الذي رزق ذا الرقعتين فدخل عليه ، فقال أتطلق امرأتك قال لا والله لا أطلقها قال عمر لو طلقتها لأوجعت رأسك بالسوط " ورواه أيضا سعيد بسنده بنحو من هذا وقال من أهل المدينة " ( والقول قوله ) أي الثاني ( في نيته ) إذا ادعى أنه رجع عن شرط التحليل وقصد أنه نكاح رغبة لأنه [ ص: 96 ] أعلم بما نواه .

                                                                                                                      قال في الاختيارات : وإن ادعاه بعد المفارقة ففيه نظر وينبغي أن لا يقبل قوله لأن الظاهر خلافه ولو صدقت الزوجة أن النكاح الثاني كان فاسدا فلا تحل للأول لاعترافها بالتحريم عليه ( ولو زوج ) المطلق ثلاثا ( عبده بمطلقته ثلاثا ثم وهبها ) المطلق ( العبد أو ) وهبها ( بعضه ) أي بعض العبد ( لينفسخ نكاحها ) بملكها زوجها أو بعضه ( لم يصح النكاح نصا ) قال فهذا نهى عنه عمر ويؤدبان جميعا وعلل أحمد فساده بشيئين أحدهما أنه شبيه بالمحلل وهو معنى قوله ( وهو ) أي المطلق ( محلل بنيته كنية الزوج ) لأنه إنما زوجها إياه ليحلها له .

                                                                                                                      والثاني كونه ليس بكفء لها ( ولو دفعت ) مطلقة ثلاثا ( مالا هبة لمن تثق به ليشتري مملوكا فاشتراه وزوجه لها ثم وهبه لها انفسخ النكاح ولو لم يكن هناك تحليل مشروط ولا منوي ممن تؤثر نيته وشرطه وهو الزوج ولا أثر لنية الزوجة والولي ) لأنه لا فرقة بيدها .

                                                                                                                      ( قاله في إعلام الموقعين وقال صرح أصحابنا بأن ذلك يحلها وذكر كلامه في المغني فيها قال في المحرر والفروع وغيرهما : ومن لا فرقة بيده لا أثر لنيته ) .

                                                                                                                      و ( قال المنقح : الأظهر عدم الإحلال ) قال في المنتهى : والأصح قول المنقح انتهى وهو قياس التي قبلها قال في الواضح نيتها كنيته وقال في الروضة : نكاح المحلل باطل إذا اتفقا .

                                                                                                                      فإن اعتقدت ذلك باطنا ولم تظهره صح في الحكم وبطل فيما بينهما وبين الله ( وفي الفنون فيمن طلق زوجته الأمة ثلاثا ثم اشتراها لتأسفه على طلاقها حلها بعيد في مذهبنا لأنه ) أي الحل ( يقف على زوج وإصابة ومتى زوجها مع ما ظهر من تأسفه عليها لم يكن قصده من النكاح إلا التحليل والقصد عندنا يؤثر في النكاح بدليل ما ذكره أصحابنا إذا تزوج الغريب بنية طلاقها إذا خرج من البلد ومن عزم على تزويجه لمطلقته ثلاثا أو وعدها سواه كان أشد تحريما من التصريح بخطبة المعتدة إجماعا لا سيما ينفق عليها ويعطيها ما تحلل به ذكره الشيخ ) .

                                                                                                                      وهو واضح .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية