الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( وأحق الناس ) الذين لهم ولاية النكاح ( بنكاح المرأة الحرة أبوها ) ، لأن الولد موهوب لأبيه قال تعالى : { ووهبنا له يحيى } .

                                                                                                                      وقال إبراهيم : { الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق } ، وقال صلى الله عليه وسلم { أنت ومالك لأبيك } وإثبات ولاية الموهوب له على الهبة أولى من العكس ولأن الأب أكمل شفقة وأتم نظرا بخلاف الميراث ، بدليل أنه يجوز أن يشتري لها من ماله وله من مالها ، ( ثم أبوه وإن علا ) لأن الجد له إيلاد وتعصيب أشبه الأب ( وأولى الأجداد أقربهم ) كالميراث ، ( ثم ابنها ثم ابنه وإن سفل ) بتثليث الفاء لما تقدم في الميراث وللابن ولاية ، نص عليه في رواية جماعة لحديث أم سلمة { أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إليها فقالت : ليس أحد من أوليائي شاهدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ليس من أوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك } رواه أحمد والنسائي فدل على أن لها وليا شاهدا أي حاضرا .

                                                                                                                      ويحتمل أنها ظنت أن ابنها عمر لا ولاية له لصغره ، فإنه صلى الله عليه وسلم تزوجها سنة أربع .

                                                                                                                      وقال ابن الأثير : كان عمره حين وفاته صلى الله عليه وسلم تسع سنين ، وإنه ولد سنة اثنين من الهجرة وعلى هذا يكون عمره حين التزويج سنتين انتهى .

                                                                                                                      وقال الأثرم : قلت لأبي عبد الله : فحديث عمر بن أبي سلمة حين زوج [ ص: 51 ] النبي صلى الله عليه وسلم أمه أم سلمة أليس كان صغيرا ؟ قال : ومن يقول كان صغيرا ؟ أليس فيه بيان ( ثم أخوها ) لأبويها كالميراث ( ثم ) أخوها ( لأبيها ) كالإرث ( ثم بنوهما كذلك ) ، فيقدم ابن الأخ لأبوين على ابن الأخ لأب كالميراث ثم بنوهما كذلك ( وإن نزلوا ) كالإرث ، ( ثم العم لأبوين ثم ) العم ( لأب ثم بنوهما كذلك وإن نزلوا ) الأقرب فالأقرب ، ( ثم أقرب العصبات على ترتيب الميراث ) لأن الولاية مبناها على النظر والشفقة ، ومظنة ذلك القرابة والأحق بالميراث هو الأقرب فيكون أحق بالولاية .

                                                                                                                      قال ابن هبيرة : اتفقوا على أن الولاية في النكاح لا تثبت إلا لمن يرث بالتعصيب ، على هذا لا يلي بنو أب أعلى مع بني أب أقرب منه وإن نزلت درجتهم وأولى ولد كل أب أقربهم إليه لا نعلم فيه خلافا ( فإذا كان ابنا عم أحدهما أخ لأم ، فكأخ لأبوين وأخ لأب ) ، أي فيقدم ابن العم الذي هو أخ من أم على مقتضى كلام القاضي والشارح وطائفة .

                                                                                                                      وقال الموفق : هما سواء لأنهما استويا في التعصيب والإرث به ، وجهة الأم يورث بها منفردة فلا ترجيح بها فعلى هذا لو اجتمع ابن عم لأبوين وابن عم لأب هو أخ من أم فالولاية لابن العم من الأبوين ( ثم المولى المنعم ) بالعتق لأنه يرثها ويعقل عنها عند عدم عصبتها من النسب فكان له تزويجها ( ثم أقرب عصباته ) فأقربهم على ترتيب الميراث ، ثم مولى المولى ثم عصباته كذلك ، ثم مولى مولى المولى ثم عصباته كذلك ( ويقدم هنا ابنه وإن نزل على أبيه ) لأنه أحق بالميراث وأقوى في التعصيب .

                                                                                                                      وإنما قدم أب النسب بزيادة شفقته وفضيلة ولادته وهذا معدوم في أب المعتق فرجع فيه إلى الأصل ( ثم السلطان ) لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم { فالسلطان ولي من لا ولي لها } ( وهو ) أي السلطان ( الإمام ) الأعظم ( أو ) نائبه ( الحاكم ومن فوضا إليه ) الأنكحة ، ومقتضاه أن الأمير لا يزوج وهو مقتضى نص الإمام في رواية أبي طالب ، القاضي يقضي في التزوج والحقوق والرجم وصاحب الشرط إنما هو مسلط في الأدب والجناية ، وليس إليه المواريث والوصايا والفروج والرجم والحدود ، وهو إلى القاضي أو إلى الخليفة الذي ليس بعده شيء وقال في رواية المروزي : في الرستاق يكون فيه المولى وليس فيه قاض يزوج إذا احتاط لها في المهر ، والكفء أجوز أن لا يكون به بأس وحمله القاضي على أنه مأذون له في التزويج لما تقدم .

                                                                                                                      وقال الشيخ تقي الدين : الأظهر حمل كلامه على ظاهره عند تعذر القاضي ، لأنه موضع ضرورة وإليه ميل الشرح [ ص: 52 ] وهو معنى ما جزم به المصنف فيما يأتي ( ولو ) كان الإمام أو الحاكم من بغاة إذا استولوا على بلد لأنه يجري فيه حكم سلطانهم وقاضيهم ، مجرى حكم الإمام وقاضيه .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية