الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولو رهن ما يسرع فساده فإن أمكن تجفيفه كرطب ) وعنب يجيء منهما [ ص: 58 ] ثمر وزبيب ولو على أمهما ولو قبل بدو الصلاح وإن لم يشرط القطع على تفصيل في ذلك في الروضة وغيرها وفارق هذا بيعه بأن تقدير الجائحة الغالب وقوعها حينئذ يبطل سبب البيع وهو المالية دون سبب الرهن وهو الدين وكلحم صح الرهن مطلقا ، وإن لم يشرط التجفيف إذ لا محذور ثم إن رهن بمؤجل لا يحل قبل فساده بأن كان يحل بعده أو معه أو قبله بزمن لا يسع البيع ( فعل ) ذلك التجفيف عند خوف فساده أي فعله المالك ومؤنته عليه حفظا للرهن فإن امتنع أجبر عليه فإن تعذر أخذ شيء منه باع الحاكم جزءا منه وجفف بثمنه ولا يتولاه المرتهن إلا بإذن الراهن إن أمكن وإلا راجع الحاكم ، أما إذا كان يحل قبل فساده بزمن يسع البيع فإنه يباع ( وإلا ) يمكن تجفيفه ( فإن رهنه بدين حال أو مؤجل يحل قبل فساده ) بزمن يسع بيعه على العادة ( أو ) يحل بعد فساده أو معه لكن ( شرط ) في هذه الصورة ( بيعه ) أي عند إشرافه على الفساد لا الآن وإلا بطل قاله الأذرعي كالسبكي واعترضا بأنه مبيع قطعا وبيعه الآن أحظ لقلة ثمنه عند إشرافه وقد يجاب بأن الأصل في بيع المرهون قبل المحل المنع إلا لضرورة وهي لا تتحقق إلا عند الإشراف ( وجعل الثمن رهنا ) مكانه قال الإسنوي قضية هذا أنه لا بد من اشتراط هذا الجعل وفيه نظر ا هـ .

                                                                                                                              ويرد بأنه من مصالح المرتهن لئلا يتوهم من شرط بيعه انفكاك رهنه [ ص: 59 ] فوجب لرد هذا التوهم ( صح ) الرهن في الصور الثلاث لانتفاء المحذور مع شدة الحاجة للشرط في الأخيرة ، وبه فارق ما يأتي أن الإذن في بيع المرهون بشرط جعل ثمنه رهنا لا يصح ( ويباع ) المرهون في تلك الثلاث وجوبا أي يرفعه المرتهن للحاكم عند نحو امتناع الراهن ليبيعه ( عند خوف فساده ) حفظا للوثيقة فإن أخره حتى فسد ضمنه ( ويكون ثمنه ) في الأخيرة ( رهنا ) من غير إنشاء عقد عملا بالشرط ويجعل ثمنه رهنا في الأوليين بإنشاء العقد ( فإن شرط منع بيعه ) قبل الفساد ( لم يصح ) الرهن لمنافاة الشرط لمقصود التوثق ( وإن أطلق ) فلم يشرط بيعا ولا عدمه ( فسد ) الرهن ( في الأظهر ) لتعذر استيفاء الحق من المرهون عند المحل لفساده قبله ، والبيع قبله ليس من مقتضيات الرهن والثاني يصح ويباع عند الإشراف على الفساد ؛ لأن الظاهر أن المالك لا يقصد إتلاف ماله ونقله في الشرح الصغير عن الأكثرين ومن ثم اعتمده الإسنوي وغيره ( وإن لم يعلم هل يفسد ) المرهون ( قبل ) حلول ( الأجل صح ) الرهن المطلق ( في الأظهر ) إذ الأصل عدم فساده قبل الحلول وفارقت هذه نظيرتها السابقة في المعلق عتقه بصفة يحتمل سبقها الحلول وتأخرها عنه بتشوف الشارع للعتق .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله يبطل ) خبر أن وقوله صح الرهن جواب فإن أمكن وقوله ثم إن رهن بمؤجل إلخ سكت عن مقابله وهو أن يرهن بحال وظاهر أن حكمه ما ذكره بقوله الآتي أما إذا كان يحل قبل فساده إلخ ( قوله أما إذا كان يحل إلخ ) ومثله كما هو ظاهر ما لو كان حالا ابتداء ( قوله وقد يجاب إلخ ) يرد عليه أن أصالة المنع إنما هي عند عدم رضاهما وتوافقهما على البيع أما عنده فلا كلام في جوازه واتفاقهما على الشرط رضا ببيعه قبل المحل وتوافق عليه ( قول المصنف وجعل الثمن رهنا ) قال م ر في شرحه وقضيته أنه لا بد من اشتراط هذا الجعل وهو كذلك إذ مجرد الإذن بالبيع لا يقتضي رهن الثمن بالدين المؤجل وإنما يقتضي وفاء الدين من الثمن إن كان حالا [ ص: 59 ] انتهى .

                                                                                                                              ( قوله فوجب لرد هذا التوهم ) قد يقال غاية الالتفات لهذا التوهم جواز الاشتراط لا وجوبه إلا أن يريد فوجب جواز الاشتراط لكن على هذا لا يطابق المراد ( قوله فإن أخره حتى فسد ضمنه ) عبارة الروض وشرحه فلو أذن الراهن للمرتهن في بيعه ففرط بأن تركه أو لم يأذن له وترك إلى القاضي كما بحثه الرافعي وقواه النووي ضمن وعلى الأول قيل سيأتي أنه لا يصح بيع المرتهن إلا بحضرة المالك فينبغي حمل هذا عليه وأجيب بأن بيعه إنما امتنع في غيبة المالك لكونه السلعة بخلافه هنا فإن غرضه الزيادة في الثمن ليكون وثيقة لها هـ .

                                                                                                                              ( قوله ويجعل ثمنه رهنا ) لو بادر قبل الجعل إلى التصرف في الثمن هل ينفذ ؛ لأنه غير مرهون وجوابه الظاهر لا ؛ لأنه لم يوجد استيفاء عن الدين معتبر ( قول المصنف فإن شرط منع بيعه ) ينبغي رجوع هذا للصور الثلاث بخلاف قوله الآتي وإن أطلق فسد فإنه ينبغي اختصاصه بالثالثة كما يؤخذ من قوله السابق لكن شرط في هذه الصور فإن مفهومه عدم اعتبار هذا الشرط في غيرها ( قوله ومن ثم اعتمده الإسنوي ) لكن المعتمد الأول .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله تمر وزبيب ) أي جيدان ا هـ ع ش ( قوله على أمهما ) أي شجرهما ا هـ كردي ( قوله على تفصيل إلخ ) سيأتي بيانه عن المغني والنهاية في هامش قول الشارح الرهن المطلق ( قوله وفارق هذا ) أي رهنه قبل بدو الصلاح ( قوله حينئذ ) أي حين إذ لم يبد الصلاح ( قوله يبطل إلخ ) خبر أن ا هـ سم ( قوله دون سبب الرهن وهو الدين ) فيه وقفة إذ سبب الرهن التوثق بالدين لا نفسه ( قوله وكلحم ) عطف على كرطب عبارة النهاية والمغني أو لحم طري يتقدد ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله صح الرهن ) جواب فإن أمكن إلخ ا هـ سم .

                                                                                                                              ( قوله مطلقا ) أي حالا أو مؤجلا يحل قبل فساده أو بعده أو معه شرط البيع وجعل الثمن رهنا أو لا ( قوله ثم إن رهن ) إلى قول المتن فإن شرط في النهاية ( قوله بمؤجل ) سكت عن مقابله وهو أن يرهن بحال وظاهر أن حكمه ما ذكره بقوله الآتي أما إذا كان يحل قبل فساده إلخ ا هـ سم ( قوله فإن امتنع ) أي المالك ا هـ ع ش وكذا ضمير منه ( قوله باع الحاكم ) بقي ما لو كان المرهون عند الحاكم وتعذر عليه أخذ شيء من المالك للتجفيف هل يتولاه بنفسه يغتفر ذلك أم لا ؟ فيه نظر وينبغي أن يقال يرفع أمره لشخص من نوابه أو لحاكم آخر يبيع جزءا منه ويجففه به كما لو ادعى عليه بحق فإنه يحكم له به بعض خلفائه وليس له أن يتولاه بنفسه فلو لم يجد نائبا ولا حاكما استناب من يحكم له فإنه باستنابته يصير خليفة ولا يحكم لنفسه وليس له أن يستقل بالبيع ويشهد لإمكان الاستنابة ا هـ ع ش ( قوله ولا يتولاه ) أي لا يجوز له وظاهره ولو تبرع بالمؤنة ويوجه بأنه تصرف في ملك الغير فلا يجوز بغير إذنه ا هـ ع ش ( قوله راجع الحاكم ) أي فلو لم يجد الحاكم جفف بنية الرجوع وأشهد فإن لم يشهد فلا رجوع له ؛ لأن فقد الشهود نادر وينبغي أن محل هذا في الظاهر وأما في الباطن فإن كان صادقا جاز له الرجوع ؛ لأنه فعل أمرا واجبا عليه قياسا على ما لو أشرفت بهيمة تحت يد راع على الهلاك من أن له ذبحها ولا ضمان عليه ومعلوم أن الحاكم إذا أطلق انصرف إلى من له الولاية شرعا فيخرج نحو ملتزم البلد وشادها ونحوهما ممن له ظهور وتصرف في محله من غير ولاية شرعية وهو ظاهر إن كان من له ولاية شرعية يتصرف من غير عوض مع رعاية المصلحة فيما يتصرف فيه وإلا فينبغي نفوذ تصرف غيره ممن ذكر للضرورة ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله أما إذا كان بحل إلخ ) ومثله كما هو ظاهر ما لو كان حالا ابتداء ا هـ سم ( قوله فإنه يباع ) أي والبائع له الراهن على ما يأتي في كلام المصنف ا هـ ع ش ( قوله وإلا يمكن تجفيفه ) أي كالثمرة التي لا تجفف واللحم الذي لا يتقدد والبقول ا هـ مغني قول المتن ( يحل قبل فساده ) أي يقينا لقوله بعد وإن لم يعلم هل يفسد قبل الأجل صح في الأظهر ا هـ ع ش ( قوله بيعه على العادة ) ولا بد من هذا القيد في الحال أيضا كما هو واضح وصرح به المغني في معلق العتق بصفة ا هـ سيد عمر ( قوله في هذه الصورة ) هي قوله أو شرط بشقيه وهما قوله يحل بعد إلخ وقوله أو معه إلخ ا هـ ع ش عبارة المغني في هاتين الصورتين ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله أي إشرافه على الفساد ) وينبغي أن مثل إشرافه على الفساد ما لو عرض ما يقتضي بيعه فيباع وإن لم يشرط بيعه وقت الرهن فيكون ذلك كالمشروط حكما ومن ذلك ما يقع كثيرا في قرى مصر من قيام طائفة على طائفة وأخذ ما بأيديهم فإذا كان [ ص: 59 ] من أريد الأخذ منه مرهونا عنده دابة مثلا وأريد أخذها أو عرض إباق العبد مثلا جاز له البيع في هذه الحالة ، وجعل الثمن مكانه ويؤيده مسألة الحنطة المبتلة الآتية ا هـ ع ش ( قوله فوجب ) أي الاشتراط ا هـ ع ش ( قوله في الأخيرة ) أي فيما بعد أو الثانية بتقيه ( قوله وبه ) أي بقوله مع شدة إلخ ( قوله ليبيعه ) أي الحاكم كما هو ظاهر وعبارة القوت صريحة فيه ا هـ رشيدي ( قوله فإن أخره ) أي المرتهن بعد إذن الراهن له في البيع أو تمكنه من الرفع للقاضي ولم يرفع سم و ع ش ( قوله ويجعل ثمنه إلخ ) أي ويجب أن يجعل وعبارة سم على حج ولو بادر هنا قبل الجعل إلى التصرف في الثمن هل ينفذ لأنه غير مرهون وجوابه الظاهر لا ؛ لأنه لم يوجد استيفاء عن الدين معتبر ا هـ أقول والمالك برهنه له أولا التزم توفية الدين وبيعه الآن يفوت ما التزمه فكان كمن اشترى عبدا بشرط إعتاقه ليس له التصرف فيه قبل الإعتاق مع كونه مملوكا له ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله بإنشاء العقد ) خالفه المغني فقال ويكون ثمنه رهنا مكانه في الصور كلها بلا إنشاء عقد ا هـ قول المتن ( فإن شرط منع بيعه ) ينبغي رجوع هذا للصور الثلاث بخلاف قوله الآتي وإن أطلق فسد فإنه ينبغي اختصاصه بالثالثة كما يؤخذ من قوله السابق لكن شرط في هذه الصورة فإن مفهومه عدم اعتبار هذا الشرط في غيرها ا هـ سم ( قوله قبل الفساد ) إلى قول المتن ويجوز في النهاية والمغني ( قوله فلم يشرط بيعا إلخ ) ولو أذن في بيعه مطلقا ولم يقيده بكونه عند الإشراف على الفساد ولا الآن فهل يصح حملا للبيع على كونه عند الإشراف على الفساد ولا لاحتماله لبيعه الآن فيه نظر والأقرب الأول لأن الأصل أن عبارة المكلف تصان عن الإلغاء ا هـ ع ش ( قوله لفساده قبله إلخ ) عبارة النهاية والمغني ؛ لأن البيع قبل المحل لم يأذن فيه وليس من مقتضى الرهن ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ومن ثم اعتمده الإسنوي وغيره ) لكن المعتمد الأول نهاية ومغني ومنهج وسم ( قوله الرهن المطلق ) أي بلا شرط بيع ولا عدمه ولو رهن الثمرة مع الشجرة صح مطلقا أي حالا كان الدين أو مؤجلا إلا إذا كان الثمر مما لا يتجفف فله حكم ما يسرع إليه الفساد فيصح تارة ويفسد أخرى ويصح في الشجرة مطلقا أي سواء كان ثمره مما يتجفف أو لا ووجهه عند فساده في الثمرة البناء على تفريق الصفقة وإن رهن الثمرة منفردة فإن كانت لا تجفف فهي كما يتسارع فساده وقد مر حكمه وإلا جاز رهنها وإن لم يبد صلاحها ولم يشرط قطعها لأن حكم المرتهن لا يبطل باحتياجها بخلاف البيع فإن حق المشتري يبطل ولو رهنها بمؤجل يحل قبل الجداد وأطلق الرهن بأن لم يشرط القطع ولا عدمه لم يصح ؛ لأن العادة في الثمار الإبقاء إلى الجداد فأشبه ما لو رهن شيئا على أن لا يبيعه عند المحل إلا بعد أيام ويجبر الراهن على إصلاحها من سقي وجداد وتجفيف ونحوها فإن ترك إصلاحها برضا المرتهن جاز ؛ لأن الحق لهما لا يعدوهما وهما مطلق التصرف وليس لأحدهما منع الآخر من قطعها وقت الجداد أما قبله فلكل منهما المنع إن لم يدع إليه ضرورة ولو رهن ثمرة يخشى اختلاطها بدين حال أو مؤجل يحل قبل اختلاط أو بعده بشرط قطعها قبله صح إذ لا مانع وإن أطلق الراهن صح على الأصح فإن اختلط قبل القبض حيث صح العقد [ ص: 60 ] نفسخ لعدم لزومه أو بعده فلا بل إن اتفقا على كون الكل أو البعض رهنا فذاك وإلا فالقول قول الراهن أفي قدره بيمينه ورهن ما اشتد حبه من الزرع كبيعه فإن رهنه مع الأرض أو منفردا وهو بقل فكرهن الثمرة مع الشجرة أو منفردة قبل بدو الصلاح وقد مر ا هـ مغني وأكثرها في النهاية قال ع ش قوله عند فساده في الثمرة أي بأن كانت مما لا يتجفف ورهنت بمؤجل يحل بعد فسادها أو معه ولم يشرط بيعها عند الإشراف على الفساد وقوله وإلا جاز أي بأن كانت تجفف باجتياحها أي نزول الجائحة بها وقوله ورهن ما اشتد أي فيصح إن ظهرت حباته كالشعير وإلا فلا ا هـ ع ش .




                                                                                                                              الخدمات العلمية