الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) : قال رجل لامرأته : أنت طالق ملء الدار ، أو ملء الجب ، فإن نوى ثلاثا فثلاث ، وإلا فهي واحدة بائنة ; لأن الشيء يملأ الوعاء العظيمة في نفسه تارة ; ولكثرة عدده أخرى ، فإذا نوى الثلاث ، علمنا أنه أراد به كثرة العدد فكأنه قال [ ص: 125 ] أنت طالق أكثر العدد ، وإن نوى واحدة فهي واحدة بائنة ; لأنه إنما أراد به الوصف بعظم التطليقة ، وذلك بأن يشتد حكمها ، وكذلك إن لم تكن له نية ; لأن في وقوع الواحدة يقينا ، وفيما زاد عليه شكا ، وإن نوى اثنتين ، فهي واحدة بائنة ; لأنه نوى مجرد العدد ، وذلك لا يسع في هذا اللفظ ، وإن قال : واحدة تملأ الدار فهي واحدة بائنة ، ولا تسع نية الثلاث هنا ; لأنه صرح بالواحدة فيبقى معنى الوصف بالعظم فتكون بائنة .

وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنها تكون رجعية ; لأنه وصف الطلاق بما لا يوصف به فكان لاغيا في وصفه كما لو قال : تطليقة تصيح ، أو تطير كان هذا الوصف لغوا ، ثم المذهب عند أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه متى صرح بلفظ العظم يكون الواقع بائنا سواء شبهها بعظيم ، أو صغير حتى إذا قال : عظم الجبل أو عظم رأس الإبرة أو الخردلة تكون بائنة ، وإن لم توصف بالعظم ، ولكن قال : مثل الجبل ، أو مثل رأس الإبرة تكون رجعية ، وعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى تكون بائنا ، وقال زفر رحمه الله تعالى : إذا شبه التطليقة بما يكون عظيما عند الناس كالجبل ، تقع بائنة ، وإذا شبهها بما يكون حقيرا كالخردلة تكون رجعية .

وإذا قال : أنت طالق واحدة عظيمة ، أو كبيرة ، أو شديدة ، أو طويلة ، أو عريضة فوصفها بشيء يشددها به ; فهي بائنة في القضاء ، وفيما بينه وبين الله تعالى ; لما بينا أن مراده معنى الشدة عليها في حكمها ، وذلك في البائن ; لأنه لا ينفرد بالتدارك بخلاف الرجعي ، وإن قال : أنت طالق إلى الصين فهي واحدة رجعية ; لأنه لم يصفها بعظم ، ولا كبر إنما مدها إلى مكان ، والطلاق لا يحتمل ذلك نفسه ، ولا حكمه ولأنه بهذا اللفظ قصر حكم الطلاق ; لأنها إذا وقعت تكون واقعة من المشرق إلى المغرب ، فلا يثبت بهذا اللفظ زيادة شدة .

ولو قال : أنت طالق إلى الشتاء فهي طالق واحدة رجعية بعد الأجل كما في إلى شهر ، وكذلك لو قال : إلى الصيف ، ومعرفة دخول الشتاء بلبس أكثر الناس الفرو ، والثوب المحشو في ذلك الموضع ودخول الصيف بإلقاء أكثر الناس ذلك حتى يتعجب ممن يرى عليه بعد ذلك ، والربيع في آخر الشتاء قبل دخول الصيف إذا كان الناس بين لابس للمحشو ، وغير لابس لا يعيب بعضهم على بعض ، وكذلك الخريف في آخر الصيف قبل دخول الشتاء بهذه الصفة ، وقيل : الربيع إذا نبت العشب ، والصيف إذا احترق العشب وجف ، والخريف إذا أخذ الناس في التأهب للشتاء ، والشتاء إذا اشتد البرد في كل موضع .

التالي السابق


الخدمات العلمية