الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( الخامس ) في المدة التي يسقط بها طلب الدين قال في المسائل الملقوطة من الكتب المبسوطة المنسوب لوالد ابن فرحون الساكت عن طلب الدين ثلاثين سنة لا قول له ويصدق الغريم في دعوى الدفع ولا يكلف الغريم ببينة لإمكان [ ص: 229 ] موتهم أو نسيانهم للشهادة انتهى من منتخب الحكام لابن أبي زمنين وفي كتاب محمد بن ياسين في مدعي دين سلف بعد عشرين سنة أن المدعى عليه مصدق في القضاء إذ الغالب أن لا يؤخر السلف مثل هذه المدة كالبيوعات انتهى كلام المسائل الملقوطة . وقال والده ابن فرحون في تبصرته في الباب الثاني والستين في القضاء في شهادة الوثيقة والرهن على استيفاء الحق ( فرع ) وفي مختصر الواضحة في آخر باب الحيازة قال عبد الملك وقال لي مطرف وأصبغ إذا ادعى رجل على رجل حقا قديما وقام عليه بذكر حقه وذلك القيام بعد العشرين سنة ونحوها أخذه به وعلى الآخر البراءة منه وفي مفيد الحكام أن ذكر الحق المشهود فيه لا يبطل إلا بطول الزمان كالثلاثين سنة والأربعين وكذلك الدين وإن كانت معروفة في الأصل إذا طال زمانها هكذا ومن هي له وعليه حضور فلا يقوم عليه بدينه إلا بعد هذا بطول الزمان فيقول قد قضيتك وباد شهودي بذلك فلا شيء على المديان غير اليمين . قال وكذلك الوصي يقوم عليه اليتيم بعد طول الزمان وينكر قبض ماله من الوصي فإن كانت مدة يهلك في مثلها شهود الوصي فلا شيء عليه ، وإلا فعليه البينة بالدفع انتهى . وقال البرزلي في أثناء مسائل البيوع رأيت جوابا وأظنه للمازري في الديون فقال إذا طال الزمان على الطالب وبيده وثائق وأحكام وهو حاضر مع المطلوب ولا عذر له يمنعه من الطلب من ظلم ونحوه وسكت عن الطلب فاختلف المذهب في حد السكوت القاطع لطلب الديون الثابتة في الوثائق والأحكام هل حد ذلك عشرون سنة وهو قول مطرف أو ثلاثون سنة وهو قول مالك واتفقا جميعا على أن ذلك دلالة قاطعة لطلب الطالب وقوله عليه السلام لا يبطل حق امرئ مسلم وإن قدم معلل بوجود الأسباب المانعة من الطلب بالغيبة البعيدة وعدم القدرة على الطلب مع الحضور حتى إذا ارتفعت هذه الأسباب من الطلب كان طول المدة مع السكوت والحضور دلالة يقوى بها سبب المطلوب بدليل قوله صلى الله عليه وسلم { من حاز شيئا على خصمه عشر سنين فهو أحق به } فأطلق عليه السلام ذكر الحيازة فهو عام في كل ما يحاز من ربع ومال معين وغيره ومن اجتهد فحد في الرباع العشر سنين وحد في الدين العشرين والثلاثين رأى أن ذلك راجع إلى حال الطالب مع المطلوب فمن غلب على حاله كثرة المشاحة وأنه لا يمكن أن يسكت عن خصمه عشر سنين جعلها حدا قاطعا ومن جعلها عشرين سنة أو ثلاثين أي أنها أقصى ما يمكن السكوت في بيع المتحمل فجعلهما حدا قاطعا لأعذار الطالبين لأن الغالب من الحال أنه قضاء وقد قضى بتغليب الأحوال عمر بن الخطاب وقاله مالك فيمن له شيء ترك غيره يتصرف فيه ويفعل فيه ما يفعل المالك الدهر الطويل فإن ذلك مما يسقط الملك ويمنع الطالب من الطلب قاله مالك وابن وهب وابن عبد الحكم وأصبغ وإذا كان طول المدة مع حضور الطالب وسكوته مانعا له من الطلب فالطلب ممنوع في سائر المطالب دون وثائق وأحكام ورباع بدليل أن السكوت في ذلك يعد كالإقرار المنطوق به من الطالب للمطلوب بأنه لا حق له عليه ولا تباعة ولا طلب ( قلت ) هذا الجواب يقتضي أن ما بعد الثلاثين مجمع عليه وإذا أجراه على مسائل الحيازة ففيها قريب القرابة والبعيد والمتوسط والمقاطع لقريبه والمواصل له فيجري عليها وفي بعضها ما يبلغ الخمسين وأكثر مع أني أحفظ لابن رشد في شرحه أنه إذا تقرر الدين وثبت لا يبطل وإن طال لعموم الحديث المتقدم واختاره التونسي إذا كان ذلك بوثيقة مكتوبة وهي في يد الطالب والطلب بسببها لأن بقاءها بيد ربها دليل على أنه لم يقبض دينه إذ العادة إذا قبض دينه أخذ عقده أو مزقه بخلاف إذا كانت الديون بغير عقود ولو وجدت بغير المطلوب وإلا ففيها قولان حكاهما ابن رشد [ ص: 230 ] وخرجهما على القولين في الرهن إذا وجد بيد الراهن هل هو إبراء له أم لا ؟ لجواز وقوعه وسقوطه أو التسور عليه ونحو ذلك وقياسه على باب الحيازة فيه نظر لما أصل ابن رشد أن ترجيح الحيازة إنما هو فيما جهل أصله وأما إذا ثبت أصله بكراء أو إعارة أو إعمار أو غير ذلك فلا يزال الحكم كذلك وإن طال الزمان والدين إن ثبت أصله أيضا وإن كان في هذا الأصل خلاف في كتاب الولاء من المدونة لكن مذهب ابن القاسم ما ذكره خلافا لقول الغير وعليه جرى عمل القضاة في هذا الزمان بتونس ما لم تقترن قرائن تدل على دفع الدين مع طول الزمان فيعمل عليها في البراءة والله أعلم انتهى . ويشير والله أعلم بقوله : وقياسه على باب الحيازة فيه نظر لما أصل ابن رشد أن ترجيح الحيازة إنما هو فيما جهل أصله إلى ما قاله في شرح المسألة الرابعة من سماع يحيى من كتاب الاستحقاق ولنذكر المسألة وكلامه عليها ونصها .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية