الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
الوجه الثلاثون: أنه قال في الاعتراض: لا معنى لكونه مختصا بالحيز والجهة إلا كونه مباينا عن العالم منفردا عنه ممتازا عنه، وكونه كذلك لا يقتضي وجود أمر آخر سوى ذات الله تعالى.

[ ص: 663 ] فقال في الجواب: أما قوله: المراد من كونه مختصا بالحيز والجهة كونه تعالى منفردا عن العالم أو ممتازا عنه أو بائنا عنه، قلنا: هذه الألفاظ كلها مجملة، فإن الانفراد والامتياز والمباينة قد تذكر ويراد بها المخالفة في الحقيقة والماهية، وذلك مما لا نزاع فيه. ولكنه لا يقتضي الجهة، والدليل على ذلك هو أن حقيقة ذات الله تعالى مخالفة لحقيقة الحيز والجهة، وهذه المخالفة والمباينة ليست بالجهة؛ فإن امتياز ذات الله عن الجهة لا يكون بجهة أخرى، وإلا لزم التسلسل، فيقال له: هذا الذي ذكرته ليس دليلا على أن المخالفة في الحقيقة والماهية لا تقتضي الجهة؛ فإن قولك إن حقيقة ذات الله تعالى مخالفة لحقيقة الحيز والجهة، وليس ذلك بالجهة، إنما يكون حجة لو ثبت أن الحيز والجهة أمر وجودي؛ فإن الكلام هنا إنما هو في الامتياز والمباينة التي من الأمور الموجودة لا بين الموجود والمعدوم؛ فإن المعدوم ليس شيئا في الخارج حتى يحتاج إلى التمييز بينه وبين غيره، وليس له [ ص: 664 ] حقيقة وماهية حتى يميز بينه وبين غيره، ولو فرض أنه محتاج إلى التمييز بينه وبين غيره؛ فالكلام هناك وفي المباينة التي بين موجودين وهي المباينة بين الله وبين العالم.

وإذا كان كذلك كان احتجاجه بالمباينة التي بين الله وبين الجهة على المباينة بين الموجودين يكون بالحقيقة لا بالجهة إنما يصح إذا كانت الجهة أمرا وجوديا، وهذا هو محل النزاع الذي نازعه فيه المنازع، على أن الجهة المضافة إلى الله تعالى ليست أمرا موجودا؛ فإنه لا معنى لكون الباري في الجهة إلا كونه مباينا للعالم ممتازا عنه منفردا وهو لا يقتضي وجود أمر سوى ذات الله؛ فإذا احتج على أن المباينة التي بين الله تعالى وبين العالم إنما هي بالحقيقة، ومباينة الشيء بالحقيقة لا يقتضي الجهة كمباينة الرب للجهة؛ كان قد سلم أن الجهة أمر وجودي في هذا الجواب، وهذه مصادرة على المطلوب؛ حيث جعل الشيء مقدمة في إثبات نفسه، والمنازع يقول: لا أسلم أن الجهة أمر موجود حتى يقال إن الله تعالى مباين لشيء موجود بغير جهة؛ فإن النزاع ما وقع إلا في وجودها، وهذا أول المسألة؛ فكيف يحتج في وجوده بدليل محتج فيه بوجوده، وهذا [ ص: 665 ] ظاهر لا يخفى على من تدبره وظهر أنه لم يذكر حجة على أن المخالفة بالحقيقة لا تقتضي الجهة .

التالي السابق


الخدمات العلمية