الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            12047 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم عبد الله بن عمرو ذات يوم ، وكانت امرأة تلطف برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " كيف أنت يا أم عبد الله ؟ " . قالت : بخير ، بأبي أنت يا رسول الله وأمي ، فكيف أنت ؟ قال : " بخير " . قالت : عبد الله رجل قد تخلى من الدنيا . قال : " وكيف ؟ " . قالت : حرم النوم فلا ينام ، ولا يفطر ، ولا يطعم اللحم ، ولا يؤدي إلى أهله حقهم . قال : " فأين هو ؟ " . قالت : خرج ويوشك . قال : " فإذا رجع فاحبسيه " . قالت : فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجاء عبد الله ، فأوشك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجعة وقال : " يا عبد الله بن عمرو ، ما هذا الذي بلغني عنك ؟ " . قال : وما ذاك يا رسول الله ؟ قال : " بلغني أنك لا تنام ولا تفطر " . قال : أردت بذلك الأمن من يوم الفزع الأكبر . " وبلغني أنك لا تطعم اللحم " . قال : أردت بذلك طعاما خيرا منه في الجنة . قال : " وبلغني أنك لا تؤدي إلى أهلك حقهم " . قال : أردت بذلك نساء هن خير منها في الجنة . قال : " يا عبد الله بن عمرو ، إن لك في رسول الله أسوة حسنة ، فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم ويفطر ، وينام ويقوم ، ويأكل اللحم ، ويؤدي إلى أهله حقهم . يا عبد الله ، إن لله - عز وجل - عليك حقا ، وإن لبدنك عليك حقا ، وإن لأهلك عليك حقا " . قال : يا رسول الله ، تأمرني أن أصوم خمسة أيام وأفطر يوما ؟ قال : " لا " . قال : فأصوم أربعة أيام وأفطر يوما ؟ قال : " لا " . قال : فأصوم ثلاثة أيام وأفطر يوما ؟ قال : " لا " . قال : فأصوم يومين وأفطر يوما ؟ قال : " لا " . قال : أفأصوم يوما وأفطر يوما ؟ قال : " ذلك صوم أخي داود ، يا عبد الله بن عمرو ، وكيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس قد مرجت عهودهم ومواثيقهم وكانوا هكذا " ، وخالف بين أصابعه . قال : فما تأمرني ؟ قال : " تأخذ بما تعرف ، وتدع ما تنكر ، وتعمل لخاصة نفسك ، وتدع الناس وعوام أمورهم " . ثم أخذ بيده ، وأقبل يمشي به حتى وضع يده في يد أبيه ، قال : " أطع أباك " . فلما [ ص: 240 ] كان يوم صفين قال له أبوه : يا عبد الله ، اخرج فقاتل . فقال : يا أبتاه ، تأمرني أن أخرج فأقاتل ، وقد سمعت ما سمعت يوم يعهد إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يعهد ؟ قال : أنشدك الله يا عبد الله بن عمرو ، ألم يكن آخر ما عهد إليك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أخذ بيدك فوضعها في يدي ثم قال : " أطع أباك ؟ " . قال : بلى . قال : فإني أعزم أن تخرج فتقاتل . فخرج متقلدا بسيف ، فلما انكشفت الحرب أنشأ عمرو بن العاص يقول :

                                                                                            شبت الحرب فأعددت لها مقرع الحارك مروي الثبج     يصل الشد بشد وإذا
                                                                                            وثب الحبل من الشد معج     جرشع أعظمه جفرته
                                                                                            فإذا ابتل من الماء حدج

                                                                                            .

                                                                                            وأنشأ عبد الله بن عمرو يقول :

                                                                                            ولو شهدت جمل مقامي ومشهدي     بصفين يوما شاب منها الذوائب
                                                                                            عشية جا أهل العراق كأنهم     سحاب ربيع رفعته الجنائب
                                                                                            وجئناهم نردى كأن صفوفنا     من البحر موج مده متراكب
                                                                                            إذا قلت : قد ولوا سراعا بدت لنا     كتائب منهم وارجحنت كتائب
                                                                                            فدارت رحانا واستدارت رحاهم     سراة النهار ما تولى المناكب
                                                                                            فقالوا لنا إنا نرى أن تبايعوا     عليا فقلنا لا نرى أن تضاربوا

                                                                                            .

                                                                                            قلت : في الصحيح بعض أوله .

                                                                                            رواه الطبراني من رواية عبد الملك بن قدامة الجمحي ، عن عمرو بن شعيب ، وعبد الملك وثقه ابن معين وغيره ، وضعفه أبو حاتم ، وغيره .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية