الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            قوله تعالى : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى .

                                                                                            11186 عن عروة - يعني ابن الزبير - في تسمية الذين خرجوا إلى أرض الحبشة المرة الأولى قبل خروج جعفر وأصحابه : عثمان بن مظعون وعثمان بن عفان ومعه امرأته رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعبد الله بن مسعود وعبد الرحمن بن عوف وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ومعه امرأته [ ص: 71 ] سهلة بنت سهيل بن عمرو وولدت له بأرض الحبشة محمد بن أبي حذيفة ، والزبير بن العوام ومصعب بن عمير أحد بني عبد الدار وعامر بن ربيعة وأبو سلمة ابن عبد الأسد وامرأته أم سلمة ، وأبو سبرة بن أبي رهم ومعه أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو ، وسهيل بن بيضاء قال : ثم رجع هؤلاء الذين ذهبوا المرة الأولى قبل جعفر بن أبي طالب وأصحابه حين أنزل الله السورة التي يذكر فيها والنجم إذا هوى فقال المشركون : لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه فإنه لا يذكر أحدا ممن خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر به آلهتنا من الشتم والشر . فلما أنزل الله السورة التي يذكر فيها والنجم وقرأ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألقى الشيطان فيها عند ذلك ذكر الطواغيت ، فقال : وإنهم من الغرانيق العلى وإن شفاعتهم لترتجى ، وذلك من سجع الشيطان وفتنته ، فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك ، وذلت بها ألسنتهم واستبشروا بها وقالوا : إن محمدا قد رجع إلى دينه الأول ودين قومه . فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخر السورة التي فيها النجم سجد وسجد معه كل من حضره من مسلم ومشرك ، غير أن الوليد بن المغيرة كان رجلا كبيرا فرفع ملء كفه ترابا فسجد عليه ، فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود لسجود رسول الله - صلى الله عليه وسلم . فأما المسلمون فعجبوا من سجود المشركين من غير إيمان ولا يقين ، ولم يكن المسلمون سمعوا الذي ألقى الشيطان على ألسنة المشركين ، وأما المشركون فاطمأنت أنفسهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وحدثهم الشيطان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قرأها في السجدة فسجدوا لتعظيم آلهتهم . ففشت تلك الكلمة في الناس ، وأظهرها الشيطان حتى بلغت الحبشة . فلما سمع عثمان بن مظعون وعبد الله بن مسعود ومن كان معهم من أهل مكة أن الناس أسلموا وصاروا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبلغهم سجود الوليد بن المغيرة على التراب على كفه ، أقبلوا سراعا ، فكبر ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم . فلما أمسى أتاه جبريل - عليه السلام - فشكا إليه ، فأمره فقرأ عليه ، فلما بلغها تبرأ منها [ ص: 72 ] جبريل وقال : معاذ الله من هاتين ، ما أنزلهما ربي ، ولا أمرني بهما ربك . فلما رأى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شق عليه وقال : " أطعت الشيطان وتكلمت بكلامه وشركني في أمر الله " . فنسخ الله ما يلقي الشيطان وأنزل عليه وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد فلما برأه الله - عز وجل - من سجع الشيطان وفتنته انقلب المشركون بضلالهم وعداوتهم . فذكر الحديث ، وقد تقدم في الهجرة إلى الحبشة . رواه الطبراني مرسلا ، وفيه ابن لهيعة ، ولا يحتمل هذا من ابن لهيعة .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية