الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال: (وأما هذا الذي يسميه ابن سينا ممكن الوجود، فهذا والممكن الوجود مقول باشتراك الاسم وكذلك ليس كونه محتاجا إلى الفاعل ظاهرا من الجهة التي منها تظهر حاجة الممكن) . [ ص: 189 ]

قلت: وهذا الذي حكاه عنهم: من أن الممكن عندهم لا يكون إلا محدثا مركبا قد ذكره في غير موضع، وذكر عنهم أن الأفلاك عندهم ليست مركبة من المادة والصورة، كالأجسام العنصرية والمولدات، وأن القول بأن كل جسم مركب من المادة والصورة إنما هو قول ابن سينا دون القدماء، وكذلك ذكر عنهم أن القول بأن الأول صدر عنه عقل، ثم عن العقل عقل ونفس وفلك، وهلم جرا إلى العقل الفعال ليس هو قول القدماء، بل هو قول ابن سينا وأمثاله.

وكذلك ذكر فيما ذكره ابن سينا وأتباعه في الوحي والمنامات: أن سببها كون النفس الفلكية عالمة بحوادث العالم، فإذا اتصلت بها نفوس البشر فاض عليها العلم منها، ذكر أنه ليس قول القدماء، بل هو قول ابن سينا وأمثاله، وهو مع هذا فالذي يذكر عن القدماء وطرقهم، هو أضعف من قول ابن سينا بكثير.

وعامة ما يذكر في واجب الوجود أن يكون شرطا في وجود غيره، وأما كونه علة تامة لغيره وربا ومبدعا، كما يقوله ابن سينا وأمثاله، فهذا لا يوجد تقريره فيما ذكره عن الأوائل، فإذا كانت طريقة ابن سينا يلزمها أن تكون الحوادث حدثت بغير محدث، فطريقة أولئك تستلزم أن تكون [ ص: 190 ] الممكنات وجدت بغير واجب، أو أن يكون كل من الواجبين بأنفسهما لا يتم وجوده إلا بالآخر، إلى غير ذلك مما في كلامهم من الفساد.

والمقصود هنا أن نبين أن خيار ما يوجد في كلام ابن سينا فإنما تلقاه عن مبتدعة متكلمة أهل الإسلام، مع ما فيهم من البدعة والتقصير.

ولما أورد عليهم الغزالي في قولهم: الواحد لا يصدر عنه إلا واحد. وعدة أدلة بين بها فساد قولهم، قال ابن رشد: (إذا اعتقدت الفلاسفة أن في المعلول الأول كثرة، لزمهم ضرورة أن يقال لهم: من أين كان في المعلول الأول كثرة؟ وكما يقولون: إن الواحد لا يصدر عنه كثير، كذلك يلزمهم أن الكثير لا يصدر عن الواحد، فقولهم: إن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد، يناقض قولهم: إن الذي صدر عن الواحد الأول شيء فيه كثرة، إلا أن يقولوا: إن [ ص: 191 ] الكثرة في المعلول الأول كل واحد منها أول، فيلزمهم أن تكون الأوائل كثيرة) .

قال: (والعجب كل العجب كيف خفي هذا على أبي نصر وابن سينا؟ لأنهما أول من قال هذه الخرافات، فقلدهما الناس، ونسبوا هذا القول إلى الفلاسفة، لأنهم إذا قالوا: إن الكثرة التي في المبدأ الثاني إنما هي مما يعقل من ذاته ومما يعقل من غيره، لزم عندهم أن تكون ذاته ذات طبيعتين: أعني صورتين. فليت شعري أيتهما الصادرة عن المبدأ الأول، وأيتهما التي ليست الصادرة؟) .

التالي السابق


الخدمات العلمية