الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولما ذكر عن ابن سينا أنه استعمل لفظ الممكن في أعم مما هو عند الفلاسفة قال: إنه جعل المفهوم من لفظ الممكن ما له علة. [ ص: 199 ]

قال: وحينئذ فقول القائل: إن الموجود ينقسم إلى ما له علة، وإلى ما لا علة له، يحتاج إلى دليل.

قال: ثم ما له علة ينقسم إلى ممكن وضروري. فالضروري هو الذي لا يمكن عدمه، بل هو واجب دائما بعلته، والممكن الحقيقي ما كان يمكن وجوده وعدمه، وهو ما كان معدوما. وحينئذ فالممكن الحقيقي لا يكون إلا حادثا، وذلك يستلزم وجود واجب وهو الضروري، ولكن لا يستلزم أنه لا علة له إلا بدليل منفصل.

قال: وإذا جعلنا الممكن ما له علة، كان التقدير: أن ما له علة فله علة، ويمكن حينئذ تقدير ممكنات لا تنتهي. فلا ينتهي الأمر إلى موجود لا علة له، وهو المسمى عندهم بواجب الوجود، إلا أن يفهم من الممكن الذي وضعه بإزاء ما لا علة له: الممكن الحقيقي، فإن هذه الممكنات هي التي يستحيل وجود العلل فيها إلى غير نهاية، وأما إن عنى بالممكن ما له علة من الأشياء الضرورية، فلم يتبين بعد أن ذلك مستحيل بالوجه الذي تبين في الموجودات الممكنة بالحقيقة، ولا تبين بعد أن ها هنا ضروريا يحتاج إلى علة، حتى يقال: إنه لا بد أن ينتهي [ ص: 200 ] الأمر إلى ضروري بغير علة، إلى أن يبين أن الأمر في الجملة الضرورية، التي من علة ومعلول، كالأمر في الجملة، الممكنة.

قلت: ولفظ الممكن إذا قيل فيه يمكن أن يوجد ويمكن أن لا يوجد، فهذا لا يكون إلا إذا كان معدوما. كما ذكر ابن رشد أنه اصطلاح الفلاسفة، فأما كل ما يمتنع عدمه، فليس بممكن بهذا الاعتبار أن يكون ممكن الوجود والعدم. بل هذا واجب الوجود، سواء قيل: إنه واجب بنفسه. أو واجب بغيره، وإذا كان من هذا ما هو واجب بغيره أزلا وأبدا، فكونه ممكنا يفتقر إلى دليل. فتقسيم الموجود إلى واجب وممكن، بهذا الاعتبار، لا بد له من دليل، كما ذكر ابن رشد. بخلاف المعدوم الذي يمكن وجوده، فهذا يعلم أنه ممكن. ولهذا كان ابن سينا ومن سلك طريقته محتاجين إلى إثبات كون الأفلاك ممكنة بنفسها، لا واجبة بنفسها.

وهذا وإن كان حقا، لكن دليلهم عليه في غاية الضعف، فإنه مبني على أن كل جسم ممكن، ودليلهم عليه ضعيف جدا، كما قد بين في غير هذا الموضع، وقد بين ضعفه أبو حامد، ووافقه ابن رشد مع عنايته بالرد عليه على ضعف هذه الطريق.

التالي السابق


الخدمات العلمية