الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر ملك المسلمين مدينة المرية وانقراض دولة الملثمين بالأندلس

في هذه السنة انقرضت دولة الملثمين بالأندلس ، وملك أصحاب عبد المؤمن المرية من الفرنج .

وسبب ذلك أن عبد المؤمن لما استعمل ابنه أبا سعيد على الجزيرة الخضراء ومالقة عبر أبو سعيد البحر إلى مالقة ، واتخذها دارا ، وكاتبه ميمون بن بدر اللمتوني صاحب غرناطة ، أن يوحد ويسلم إليه غرناطة ، فقبل أبو سعيد ذلك منه وتسلم غرناطة ، فسار ميمون إلى مالقة بأهله وولده ، فتلقاه أبو سعيد ، وأكرمه ، ووجهه إلى مراكش ، فأقبل عليه عبد المؤمن وانقرضت دولة الملثمين ولم يبق لهم إلا جزيرة ميورقة ( مع حمو بن غانية ) .

[ ص: 242 ] فلما ملك أبو سعيد غرناطة جمع الجيوش وسار إلى مدينة المرية ، وهي بأيدي الفرنج ، أخذوها من المسلمين سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة ، فلما نازلها وافاه الأسطول من سبتة وفيه خلق كثير من المسلمين ، فحصروا المرية برا وبحرا ، وجاء الفرنج إلى حصنها ، فحصرهم فيها ونزل عسكره على الجبل المشرف عليها ، وبنى أبو سعيد سورا على الجبل المذكور إلى البحر ، وعمل عليه خندقا ، فصارت المدينة والحصن الذي فيه الفرنج محصورين بهذا السور والخندق ، ولا يمكن من ينجدهما أن يصل إليهما ، فجمع الأذفونش ملك الفرنج بالأندلس ، المعروف بالسليطين ، في اثني عشر ألف فارس من الفرنج ، ومعه محمد بن سعد بن مردنيش في ستة آلاف فارس من المسلمين ، وراموا الوصول إلى مدينة المرية ودفع المسلمين عنها ، فلم يطيقوا ذلك ، فرجع السليطين وابن مردنيش خائبين ، فمات السليطين في عوده قبل أن يصل إلى طليطلة .

وتمادى الحصار على المرية ثلاثة أشهر ، فضاقت الميرة ، وقلت الأقوات على الفرنج ، فطلبوا الأمان ليسلموا الحصن ، فأجابهم أبو سعيد إليه وأمنهم ، وتسلم الحصن ، ورحل الفرنج في البحر عائدين إلى بلادهم فكان ملكهم المرية مدة عشر سنين .

التالي السابق


الخدمات العلمية