الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما بيان صفة العدالة المشروطة فقد اختلف أصحابنا - رحمهم الله - قال أبو حنيفة : رضي الله عنه الشرط هو العدالة الظاهرة ، فأما العدالة الحقيقية ، وهي الثابتة بالسؤال عن حال الشهود بالتعديل والتزكية ، فليست بشرط .

                                                                                                                                وقال أبو يوسف ومحمد - رحمه الله - : إنها شرط ، ولقب المسألة أن القضاء بظاهر العدالة جائز عنده ، وعندهما لا يجوز ، وجملة الكلام فيه أنه لا خلاف في أنه إذا طعن الخصم في الشاهد أنه لا يكتفي بظاهر العدالة ، بل يسأل القاضي عن حال الشهود ، وكذا لا خلاف في أنه يسأل عن حالهم في الحدود والقصاص ، ولا يكتفي بالعدالة الظاهرة ، سواء طعن الخصم فيهم أو لم يطعن ، واختلفوا فيما سوى الحدود والقصاص إذا لم يطعن الخصم قال أبو حنيفة - رحمه الله - : لا يسأل ، وقالا يسأل .

                                                                                                                                عن مشايخنا من قال : هذا الاختلاف اختلاف زمان لا اختلاف حقيقة ; ; لأن زمن أبي حنيفة - رحمه الله - كان من أهل خير وصلاح ; لأنه زمن التابعين ، وقد شهد لهم النبي عليه الصلاة والسلام بالخيرية بقوله { خير القرون قرني الذي أنا فيه ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب } " الحديث ، " فكان الغالب في أهل زمانه الصلاح والسداد ، فوقعت الغنية عن السؤال عن حالهم في السر ، ثم تغير الزمان وظهر الفساد في قرنهما فوقعت الحاجة إلى السؤال عن العدالة ، فكان اختلاف جوابهم لاختلاف الزمان ، فلا يكون اختلافا حقيقة ، ومنهم من حقق الخلاف ( وجه ) قولهما أن العدالة الظاهرة تصلح للدفع لا للإثبات لثبوتها باستصحاب الحال دون الدليل ، والحاجة ههنا إلى الإثبات وهو إيجاب القضاء ، والظاهر لا يصلح حجة له فلا بد من إثبات العدالة بدليلها ، ولأبي حنيفة ظاهر قوله عز وجل { وكذلك جعلناكم أمة وسطا } أي عدلا ، وصف الله سبحانه وتعالى مؤمني هذه الأمة بالوساطة ، وهي العدالة ، وقال سيدنا عمر - رضي الله تعالى عنه - عدول بعضهم على بعض ، فصارت العدالة أصلا في المؤمنين ، وزوالها بعارض ، ; ولأن العدالة الحقيقية مما لا يمكن الوصول إليها فتعلق الحكم بالظاهر ، وقد ظهرت عدالتهم قبل السؤال عن حالهم فيجب الاكتفاء به ، إلا أن يطعن الخصم ; لأنه إذا طعن الخصم وهو صادق في الطعن فيقع التعارض بين الظاهرين ، فلا بد من الترجيح بالسؤال ، والسؤال في الحدود والقصاص طريق لدرئها ، والحدود يحتال فيها للدرء ، ولو طعن المشهود عليه في حرية الشاهدين وقال : إنهما رقيقان ، وقالا : نحن حران ، فالقول قوله حتى تقوم لهما البينة على حريتهما ; لأن الأصل في بني آدم - وإن كان هو الحرية لكونهم أولاد آدم وحواء عليهما الصلاة والسلام وهما حران - لكن الثابت بحكم استصحاب الحال لا يصلح للإلزام على الخصم ، ولا بد من إثباتها بالدلائل ، والأصل فيه أن الناس كلهم أحرار إلا في أربعة : الشهادات والحدود والقصاص والعقل ، هذا إذا كانا مجهولي النسب لم تعرف حريتهما ولم تكن ظاهرة مشهورة ، بأن كانا من الهند أو الترك أو غيرهم ممن لا تعرف حريته أو كانا عربيين ، فأما إذا لم يكونا ممن يجري عليه الرق ، فالقول قولهما ولا يثبت رقهما إلا بالبينة .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية